عليه وسلم ، فقرأنا ما تيسر من القرآن ، ودعونا لنا ولمحبينا.
ثم دخلنا حمص ضحى يوم الجمعة ، الثامن عشر من الشهر المذكور ، ونزلنا في الخان الذي عند بابها (١) ، وهو خان كبير مشتمل على خانات ، فاذا دخلت بابه رأيت صحنا كبيرا واسعا في أطرافه حجر لأبناء السبيل ، وعن يمين الصحن باب كبير فيه خان فيه أواوين وحجر واصطبل ، ومقابل الوجه باب كبير أيضا فيه أواوين وحجر أيضا ، وجدول ماء صغير متشعب من العاصي ، وعن يساره صحن طويل يشقه جدول من العاصي (١٢٤ أ) ، وعليه ناعورة صغيرة ، وفيه مزار يقال إنه قبر مبارك بن عوف ، وقيل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضياللهعنهما (٢).
وصلينا الجمعة في جامعها الكبير ، وهو جامع كبير في صحنه بركة ، وعواميد سمّاقيّة (٣) ملقاة مطروحة على الأرض ، وأعلى المصلى مسقف بالخشب ، وظاهر البناء يدل على أنه كان عقدا ، فأخبرت أن تيمور الخبيث هدمه (٤). وعلى باب الجامع المذكور ، من خارج كتابة فيها اسم الباني ، وهو السلطان المالك الملك ، المجاهد ، المرابط ، المؤيد ، المنصور ، أسد الدنيا والدين ، ملك المسلمين أبو الفتح شير كوه بن محمد بن شير كوه (٥) ناصر أمير المؤمنين ، في
__________________
(١) لعله أحان الذي نزل به الرحالة ابن جبير ووصفه بأنه في ظاهر حمص ، وسماه بخان السبيل ، وقد وصف إبراهيم الخياري (المتوفّى سنة ١٠٨٣ ه / ١٦٧٢ م) هذا الخان بقوله خان معد للمسافرين عجيب بناؤه (تحفة الأدباء وسلوة الغرباء ج ١ ص ١٨٢).
(٢) في رحلة الخياري ذكر أنه قبر عبد الرحمن بن عوف ، مع أنه دفن في بقيع المدينة.
(٣) يريد بلون السماق ، وهو نبات من فصيلة البطميات تستخدم بذوره دباغا ، ولونها يميل إلى الحمرة بدرجات متفاوتة ، والراجح بحسب هذا التشبيه أنها كانت من حجر الجرانيت.
(٤) حاصر تيمور لكن حمص في ٢٠ ربيع الآخر سنة ٨٠٣ ه / ٩ كانون الأول سنة ١٤٠٠ م ثم فتحها صلحا.
ينظر ابن عربشاه : عجائب المقدور في أخبار تيمور (لاهور ١٨٦٨) ص ٢٠٠.
(٥) واضح أن السويدي نقل هذه الألقاب والكنى كما استطاع قراءتها على باب الجامع في حينه ، والمعروف أنه شير كوه (الثاني) الملقب صلاح الدين بن القاهر محمد ناصر الدين بن أبي الحارث المنصور شير كوه (الأول) الملقب بأسد الدين بن شاذي (ولد سنة ٥٦٩ وتوفي سنة ٦٣٧ ه) ، وكان هذا شجاعا شهما مقداما يباشر