يريد : لم يغير الدار قوم نزلوا فيها بعدي فتتغيّر عما أعرفه منها ، ولا بها صمم لو كلّمت. يريد أنه وقف في الموضع الذي لو كانت الدار تسمع لسمعت منه كلامه ، فلم تجب ولم تتكلم.
وقال جرير :
(فلا حسبا فخرت به لتيم |
|
ولا جدّا إذا ازدحم الجدود) (١) |
يهجو جرير بهذا عمر (٢) بن لجأ التّيميّ. والشاهد (٣) على أن (حسبا) منصوب بإضمار فعل يفسره (فخرت به) كأنه قال : فلا ذكرت حسبا فخرت به.
(ولا جدّا) معطوف على (حسبا) وهو بمنزلة قولك : أزيدا مررت به؟ تضمر لزيد فعلا يتعدى بغير حرف جر ، كأنه قال : أجزت زيدا مررت به؟
والجدّ : الحظ ، والحسب : الكرم وشرف الإنسان في نفسه وأخلاقه. يقول : ما ذكرت لتيم شيئا تفخر به ؛ لأنك لم تجد لها شيئا تذكره ، ولا كان لها حظ في علو المرتبة والذكر الجميل.
__________________
(١) ديوان جرير ص ١٦٥ من قصيدة يهجو بها التّيم. ورواية البيت :
ولا حسب فخرت به كريم |
|
ولا جدّ .. |
(٢) شاعر أموي ، معاصر لجرير وبينهما مهاجاة. (ت بالأهواز نحو ١٠٥ ه).
ترجمته في : الشعر والشعراء ٢ / ٦٨٠ والخزانة ١ / ٣٦٠
(٣) ورد الشاهد في : النحاس ١٨ / ب والأعلم ١ / ٧٣ والخزانة ١ / ٤٤٧ وقد جاء في تعليق سيبويه (١ / ٧٣) على الشاهد قوله : «وإن شئت رفعت ، والرفع فيه أقوى».
أما النحاس فيرى أن الموضع موضع نصب ، ويأتي البغدادي ليذكر أنه يجوز في قوله (حسبا) النصب والرفع. فالنصب بفعل مقدر متعد بنفسه في معنى الفعل الظاهر. أما الرفع فعلى الابتداء وجملة (فخرت به) صفته و (لتيم) هو الخبر ، وذلك لوقوعه بعد حرف النفي ، والرفع في حروف النفي أقوى ، لأنها لم تبلغ أن تكون في القوة مثل حروف الاستفهام.