في تلك السنة حجّ أغا الطواشي ، من مماليك مراد ، كان محظيا عنده ، فاستأذنه في الحج فأذن له ، وأخرج دستورا مكرما بيده ، ومعناه جواز تصرفه في كل ما يريد من عزل وتولية فلما دخل مصر خرج للقائه صاحب مصر إلى خارج البلد ، فلما نظر إليه ترجل عن فرسه ، وسار إلى أن قبّل ركبته ، ومشى إلى أن أمره بالركوب ، فدخل مصر ووصل الخبر بما وقع لمولانا الشريف زيد فأخذته الأريحية والهمة العالية ، وأقلقه ما ورد عليه من الخبر ، فعزم على الخروج من حكمه ليكون عذرا في عدم اللقاء .. فما إن وصل بشير آغا إلى رابغ ، أتاه نجّاب بخبر وفاة مولانا السلطان ، فبطل ما بيده من الأحكام وصار كأحد الناس ، بعد أن كان رئيس الحكام فورد بشير آغا مكة ، فلاقاه الشريف بقرب مكة ، وبشير آغا عنده أنّ خبر موت السلطان مكتوم ، فلما تقاربا وتصافحا ركّض مولانا الشريف فرسه متقدما على بشير .. وقال بالتركية :
الله رحمت إيله سلطان مرادة (فحين سمعه بشير آغا تداخل في جسمه ، ومشى كالأسير (١)
ولا ندري أسباب هذا التفويض هل لشخصية المذكور المتميزة ، أم للأحوال السيئة بالمدينة التي كانت سائدة أنذاك ، ولعل السبب الأول هو الأرجح بدليل ما ورد عن الشاعر جعفر البيتي (٢) الذي روى لنا بشعره عن أوضاع المدينة في فترة حكمه :
قفوا تنظروا آثار ما صنع الظلم |
|
وجوسوا خلال الدار تنبكم الأكم |
قفوا بالرسوم الدارسات فربما |
|
تحققتم منها وما نطق الرسم |
قفوا نشتكي ما قد أصاب فإنه |
|
عظيم وإن الأمر حادثة ضخم |
سلوا كلّ درب بالمدينة ما الذي |
|
لقينا فعند الدار من أهلها علم |
سلوها عن الهتك الذي قد أصابها |
|
قريبا ممن لقيناه في وجهها وشم |
ثم أردف بقصيدة أخرى :
__________________
(١) أمراء البلد الحرام ص ١٠٦
(٢) السيد جعفر البيتي العلوي السقاف : ولد بالمدينة سنة ١١١٠ ه ، له ديوان شعر مخطوط ، انظر ترجمته في تحفة المحبين ص ٥٣ وما بعدها ، حلية البشر ترجمة مفصلة ومسهبة