من غائلته ، فمضى جماعة من الشرفاء الذين فى خدمة الشريف ، إلى الذين بالعدّ ، وغابوا عنهم مدة ، وعادوا إلى الشريف بما لم يعجبه ، وحضوه على الإحسان إلى الذين بالعدّ ، وأن يلين لهم جانبه ، فلم يمل لذلك لما غلب على ظنه ـ وهو الواقع ـ أن الإحسان إليهم لا ينال به منهم قصدا ، وبعث خيلا ورجلا إلى جدة ، فاستولوا عليها .. وكانت خالية من أكثر المباينين له ، وتواطأ الأشراف والقواد على أن يرحل جماعة من القواد من العد ، حتى ينزلوا فى حلّة الأشراف بالدكناء بوادى مرّ ، للاستنصار بالأشراف ، ففعل القواد ذلك لحزمهم ، فأكرمهم الأشراف ، وقصد المريدون لذلك من الأشراف ، أن الشريف إذا أمرهم بقتال القواد ومن انضم إليهم ، قالوا له الأشراف : كيف نقاتل من استجار بنا ونزل بحلّتنا ، لكون ذلك لا يحسن عند العرب.
ولما اتفق ذلك ، خرج جماعة من آل أبى نمى ، وذوى مبارك وغيرهم من الدكناء لقصد مكة ، فخرج إليهم منها نائبها مفتاح الزفتاوى ، فتى الشريف حسن بن عجلان ، فى خيل ورجل ، فالتقوا مع القواد والشرفاء ، فكان النصر للشرفاء ومن انضم إليهم ، وخفروا جماعة من عسكر مكة ، وأخذوا خيلهم وسلاحهم ولجأ الزفتاوى إلى جبل قرب المعركة ، وما زال به حتى قتل وقتل غيره من جماعته ، وقتل من الشرفاء فوّاز بن عقيل ابن مبارك.
وكانت هذه الوقعة فى يوم السبت ثانى عشر رمضان سنة عشرين وثمانمائة. ورجع الشرفاء ومن انضم إليهم إلى العدّ ، وشق على الشريف كثيرا ما صدر منهم وقتلهم لنائبه ، ثم سعى جماعة من الشرفاء من ذوى أبى نمى وغيرهم ، فى الصلح بينه وبين الذين بالعدّ ، على مال يبذله لهم الشريف ، ولا يحدثون حدثا فى طريق من طرق مكة ، إلى انقضاء هذه السنة ، وعشرة أيام من المحرم سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. فرضى بذلك الفريقان وتعاقدوا عليه وتواثقوا ، وأحسن إليهم الشريف بتسليم ما وقع الاتفاق على تسليمه معجّلا ، واطمأن الناس ، وقدم التجار من اليمن أكثر من كل سنة. من غير توقف فى الدخول إلى جدة لإذن السلطان لهم فى ذلك.
وكان دخول التجار إلى جدة فى صفر من هذه السنة بغير إذن من السلطان باليمن ، وإنما ذلك باختيار المتقدمين فى أمر المراكب ، لعدم قدرتهم على التّجوير على جدة إلى ينبع ، لكون تجويرهم عليها يوافق اختيار صاحب اليمن.
ولما دخلوا إلى جدة لم يشوش عليهم نواب الشريف ، وساهلهم الشريف فى المكس