فلم يتجاسر أحد على فعل ما يخالفه ، حتى مات تغرى برمش ، إلا أن بعض المؤذنين والمداحين ، ربما مدحوا فى أوقات قليلة ، بعضها بحضرة تغرى برمش ، وكثير منها فى غيبته من مكة ، وكان انقطاعه بالحرمين بعد حجه من سنة ست عشرة وثمانمائة.
وقد انتفع بصحبته كثيرا ، ناس من أهل الحرمين ، منهم من المكيين : القاضى عز الدين ابن القاضى محب الدين النويرى ، وأخوه كمال الدين أبو الفضل ، وسبب ذلك : أن تغرى برمش ، جاور بالمدينة النبوية قبل القرن التاسع ، وتوقع حصول سوء بها من الشيخ أبى عبد الله المغربى المعروف بالكركى ، ففر إلى مكة ، فطيب خاطره ، وأحسن إليه ، قاضيها محب الدين النويرى.
فلما مات ، راعى صنيعه فى ولديه وجماعته ، وهو ممن قام مع القاضى عز الدين ، فى نزع الخطابة بالمسجد الحرام ونظره والحسبة بمكة له ، من قاضى القضاة جمال الدين بن ظهيرة ، ولما وصل لأبى السعادات بن أبى البركات بن ظهيرة توقيع بهذه الوظائف ، فى أثناء سنة عشرين وثمانمائة ـ خلا الحسبة ـ عارضه فى ذلك تغرى برمش ، بتوقيع وصل للقاضى عز الدين بالوظائف المذكورة ، وأن يكون أخوه أبو الفضل نائبا عنه فيها ، بعد التوقيع الذى وصل لأبى السعادات بأيام قليلة ، باعتبار تاريخها.
وكان وصولهما إلى مكة معا فى وقت واحد ، واتفق أن القاضى عز الدين ، مات قبل وصول توقيعه ، كما أن أبا البركات مات قبل وصول توقيعه بالخطابة ، ثم كتب بها لابنه ، فرأى الشيخ تغرى برمش وغيره من أعيان مكة ، أن توقيع القاضى عز الدين ، ناسخ لتوقيع ابن أبى البركات ، ومانع له من المباشرة ، مع كراهة أكثرهم لمباشرته ، ونازع ابن أبى البركات فى ذلك ، بحضور صاحب مكة وغيره من قضاتها ، والشيخ تغرى برمش.
وتعلق فى ذلك بمثال شريف إلى أمير مكة ، يتضمن إعلامه لولاية ابن أبى البركات ، وزعم أنه كتب بعد توقيع القاضى عز الدين ، ونسب إلى زيادة (ين) فيه بعد عشر ، وإنما هو مؤرخ بخامس عشر صفر.
وصمم الشيخ تغرى برمش على منعه من المباشرة ، فأساء فى حقه ابن أبى البركات ، فكاد الشيخ تغرى برمش أن يضربه ، وأن يحثو التراب فى وجهه. ووافق صاحب مكة وغيره من أعيانها ، على ما اختاره الشيخ تغرى برمش ، من منع ابن أبى البركات من الخطابة ، فلم يباشرها إلا بعد وفاة الشيخ تغرى برمش بخمسة وأربعين يوما ، لوصول