وقبالة الفسطاط الجزيرة المعروفة بالروضة (١٤١) ، وهي جزيرة يحيط بها بحر النيل من جميع جهاتها ، وبها فرج ونزه ومقاصف وقصور ودور وبساتين ، وتسمى هذه الجزيرة دار المقياس ، وكانت في أيام بعض ملوك مصر ، يجتاز إليها على جسر من السفن فيه ثلاثون سفينة وكان بها قلعة عظيمة فخربت ، وبها المقياس يحيط به أبنية دائرة على عمد ، وفي وسط الدار فسقية عميقة ينزل إليها بدرج من رخام دائرة وفي وسطها عمود رخام قائم وفيه رسوم أعداد الأذرع والأصابع يعبر إليه الماء من قناة عريضة. ووفاء النيل ثمانية عشر ذراعا وهذا المبلغ لا يدع من ديار مصر شيئا إلا رواه ، وما زاد على ذلك ضرر ومحل لأنه يميت الشجر ويهدم البنيان. وبناء مصر كلها طبقات بعضها فوق بعض يكون خمسا وستا وسبعا ، وربما سكن في الدار الواحدة الجامعة مائة من الناس ولكل منهم منافع ومرافق مما يحتاج إليه. وأخبر الجواليقي أنه كان بمصر على أيامه دار تعرف بدار ابن عبد العزيز بالموقف ، يصب لمن فيها من السكان في كل يوم أربعمائة راوية وفيها خمسة مساجد وحمامات وفرنان.
القاهرة المعزية : حرسها الله تعالى وثبت قواعد أركان دولة سلطانها وجعلها دار إسلام إلى يوم القيامة آمين. وهي مدينة عظيمة أجمع المسافرون غربا وشرقا وبرا وبحرا على أنه لم يكن في المعمورة أحسن منها منظرا ولا أكثر ناسا ولا أصح هواء ولا أعذب ماء ولا أوسع فناء ، وإليها يجلب من أقطار الأرض وسائر الأقاليم من كل شيء غريب ، ونساؤها في غاية الحسن والظرف ، وملكها عظيم ذو هيبة وصيت
__________________
(١٤١) الروضة : تقابل الفسطاط على الضفة الغربية للنيل جزيرة قديمة يحيط بها الماء ، ويفصل بينها وبين الفسطاط من ناحية وبينها وبين الجيزة من ناحية أخرى ، وكان على الجزيرة حصن روماني قديم يعتبر ملحقا لحصن بابليون وجزءا من وسائل الدفاع عن غرب الدلتا وظلت الجزيرة قرونا طويلة تعتبر كضاحية ملكية يبني فيها الأمراء والوزراء والخلفاء حصونهم وقصورهم وبساتينهم ومتنزها جميلا ومقرا لمقياس النيل الذي بناه أسامة بن زيد التنوخي ٩٧ ه عهد سليمان بن عبد الملك (جمال الدين الشيال ، تاريخ مصر الإسلامية ، ج ١ ، ص ٤٧) والروضة الأرض ذات الخضرة (اللسان ٣ / ١٧٧٥).