السلطان إلا من يخلط عليه مهما سمع شيئا من أحد قبله كان حقا أو باطلا (١) وتيقن به وتوثق به فهم كالضرائر والتيوس وما أهلك الناس في تونس إلا هذا الأمر العظيم فهي لا نظير لها في هذه الصفة المذمومة التي حيرت الناس وشتت أمرهم وأن أهل تونس أيضا معلومون بالخوز (٢) والغدر والخديعة والمكر للسلطان فما أخذت تونس في الغالب إلا بهذا الوصف لأن أهلها مشهورون بالعكس والانتكاس والنقص والرفض والتخليط والألتباس من دولة الحفصيين إلى الآن ولو لا الإطالة لذكرنا من أوصافهم نبذة ومن أخبارهم ووقائعهم وحروبهم وغدرهم ومكرهم ومخالفتهم للسلطان وتأخرهم عنه بعد مبايعتهم إياه وإظهار مودتهم له ثم ينقضون العهد ويجاوزون الحد ويمدون للعدو مدا جملة فيهلك الله جميعهم وكذا الأمير إذا طغا فيها كما تقدم.
حاصله أن الفجور والمعاصي والظلم والعناد إذا ظهر في تونس ابتلاهم الله بعذاب يعم جميعهم إلا من نجاه الله بفضله حسبما وقع ذلك بالباشا أعني علي باي حتى صار النهب والسلب والقتل والفتك في ديار تونس وهو بلاء عظيم وأمر مليم يكاد أن لا يقع إلا بالأمم المتقدمة والأعصر السالفة وسبب ذلك أن السلطان وأهل حضرته إذا اشتغلوا باللهو واللعب وصرفوا أموال المسلمين في شهواتهم المحرمة نادى الله عليهم بالويل والعذاب والهلاك فلم يراع فيهم الطائعين ولا أهل الفلاح من المتقين وقد قال تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل تصيب الظالم والمظلوم على من جعل لا من المفسرين غير صلة أي ليست زائدة لأن المنكر إذا اشتهر في الأمة ولم يغيره الناس وقع العذاب بالجميع لأن من شهد المنكر ولم يغيره فهو وفاعله سيان في الآثم ووقوع العذاب وقد قال الشاعر :
__________________
(١) في ثلاث نسخ ريادة إلا قبله.
(٢) أي المعاداة.