وليس له فيه إلا ما انتفع به في الحال وبخله دليل على شقاوته لا سيما في هذه الأماكن الشريفة ومع ذلك الله تبارك وتعالى يقول الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا فكيف يبخل الإنسان بواجب عليه وهو البخل الممنوع (١) إجماعا وقد شاهدناه فيمن معه فضل ووسع يبلغه إلى أهله يقيمه سنين متعددة ويرى الناس في السياق بالجوع ولا يمدهم بلقمة من طعام ولا شربة من ماء ومع ذلك يشتري الأحرار ممن أصابه الجوع بفضلة ماله فيشقى في الدارين لا رضا الله حصل ، ولا مال احتفل ، غير أن من سبقت له الشقاوة يخجلك على رءوس العوام بما لا عذر فيه كما سمعته من بعض المخذولين من طلبة ابن غازي (٢) إذ يقول متعللا عند بخله بواجب يمسك عرض الحياة في الإنسان بسبب جوعه أنهم كثروا وتجاوزوا قدر الاستطاعة فلا يمكن الاستيفاء بما وجب علينا وتبعه على ذلك بعض من تراس من أهل الدنيا إذ طبع الله على قلبه والعياذ بالله لأن القدر الواجب سهل والقائم به لا يعسر عليه ولا يحجف بما له إذ من بلغ حد السياق قليل بالنسبة لمن حصل له الجوع وإقامة البعض منهم بذلك فيه كفاية وإنما حيرهم كثرة السائلين وأدعاء كل الضرورة بل بعضهم أو أكثرهم يدعي حد السياق فالتبس عليهم القدر الواجب فتركوا الكل احتياطا بالبخل ولو أقاموا بالكل لا حتاطوا بالمرضي.
ولما اجتمعت معهم زجرتهم عن ذلك ونهيتهم عن الإقامة بحظوظ أنفسهم إذ قلت لهم إن كل من مات فهو في صحائفكم لما علمت أن من منع فضل طعام أو شراب لمضطر حتى حصل له الهلاك يغرمه (٣) شرعا حتى استظهروا انه يقتص منه إذ مثلهم لو فرقوا الزّمن والضعيف لم يصعب عليهم.
__________________
(١) في ثلاث نسخ ممنوع.
(٢) في نسخة بإسقاط ابن غازي.
(٣) في نسخة يضمنه.