وقال : خذوا رأس هذا الأحول ، ورأس أخيه ، ومن معه. وكنا قد سلكنا (طريق) (١) البحر فخالفناهم. ولقد أذكر أن أظلم علينا الليل ونحن بالمراوعة (٢) من أعمال الكدراء ، فخرج علينا رجل من تلال (٣) الوادي وقال : أظنكم عريتم (٤) الطريق. فقلنا نعم. فقال : أتبعوني. فما زال بين أيدينا حتى طلع الفجر ، ففقدناه ، ونالنا التعب ، ومسنا ضر من تعب الجوع (٥) ، بين مسير النهار والليل ، رجالة حفاة ، وسعيد بن نجاح راجل بيننا ، والفرس يجنب وهو يقول : يا صباح الخير والظفر والسرور. ويقول (٦) : بادروا (٧) الإنسان قبل أن يموت بغير أيدينا في غد ، فو الله لا طلعت شمس غد وهو في الدنيا. ولم يزل يغذ (٨) السير ، على الرجا واليأس من الرجال إلى أن دخلنا طريق (٩) المخيم ، والناس يعتقدون أنا في جملة عبيد الصليحي وحواشيه. ولم يشعر بأمرنا إلا عبد الله بن محمد ، أخو الصليحي ، فإنه ركب وقال لأخيه : يا مولانا اركب ، فهذا والله هو الأحول بن نجاح ، والعدو الذي جاءنا به كتاب أسعد بن شهاب (١٠) من زبيد. فقال الصليحي لأخيه عبد الله : إني لا أموت إلا بالدهيم ، وبئر أم معبد ، معتقدا أنها بئر أم معبد التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، حين هاجر ومعه أبو بكر.
قال مشعل بن فلان العكي : قاتل عن نفسك ، فهذه والله بئر الدهيم بن عبس ، وهذا المسجد موضع خيمة أم معبد بن الحرث العبسي.
__________________
(١) في الأصل : يد.
(٢) هي قرية باليمن (تاج العروس).
(٣) في الأصل : أتلال.
(٤) معناها : ضللتم.
(٥) في الأصل : الجع ؛ وفي وفيات : من التعب والحفاء.
(٦) في الأصل : وهو يقول.
(٧) في الأصل : باردوا.
(٨) في الأصل : بعد.
(٩) في وفيات : طرف.
(١٠) لقد توفي أسعد سنة ٤٥٦ ولا بد أن يكون أسعد بن عراف.