بسم الله الرحمن الرحيم
[١] الحمد لله الذي دلّت الدلائل الواضحة ، والبراهين الراجحة ، حقا وصدقا على عزته ووحدانيته ، وفتح عارفوه بمفاتيح العرفان أبواب الألباب ، ولم يحرم الشائم لبوارق لطائفه من ظلال نيل الآمال ، والتحليق بجناح هزّة الإيمان وعزته في آفاق حسن الاتفاق ، وسلك العارفون به طرائق الجد والاجتهاد طلبا لغايات رضوانه.
ومن تعرّض لنفحات كرمه ، يسمعه هاتف ألطافه في كل ساعة ، بل في كل لحظة ، نداء البشارات ، ويقر عين سره المكنون وأبصار بصيرته ببرود (١) الهداية وكحل التوفيق. الذي لا تبلغ مقاود اللسان ومقالد البيان غاية بريق درر الشكر من أصداف ألطافه ، وتعجز الأذواق عن اجتناء بواكير تفاصيل حكمته (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)(٢).
والصلوات والتحيات الوافرة لحضرة سيد الأولين والآخرين محمد المصطفى ، الذي زيّن ساعد السعادة الكبرى بأساور مفاخر متابعة شريعته ، وعجزت الأقلام عن التقرير ، والأوهام عن التوهم والتصوير ، لغايات فضائله ، وهي لن تبلغ غايتها [٢] :
وما حملت من ناقة فوق ظهرها |
|
أبرّ وأوفى ذمة من محمد (٣) |
تبسّم به وجه الزمان ، وقرّت عين الشريعة بحلل رسالته ، وفتحت أبواب أرباب
__________________
(١) البرود : كحل فيه أشياء باردة (النهاية في غريب الأثر ، ١ / ١٥).
(٢) سورة إبراهيم ، الآية ٣٤.
(٣) من قصيدة لأنس بن زنيم الديلي كما في السيرة النبوية لابن هشام (٤ / ٨٧٩). ونسبت في نفس المصدر (١ / ١٠١٨) إلى مالك بن نمط ، وفي أسد الغابة (١ / ٨٩) أنها لسارية بن زنيم وفي المصدر نفسه (٤ / ٢٩٤) نسبت لمالك بن نمط ، وفي السيرة النبوية لابن كثير (٣ / ٨٤٩) لمالك بن نمط ، وفي بعضها : (فوق كورها) و (فوق رحلها) ، وكذلك في منح المدح (ص ٢٩٦) إلا أن عجزه : أشد على أعدائه من محمد.