فتكون واقعة ذلك الموقع ، وإنّما قصد بها المعنى (١) خاصّة ، ولذلك خرجت عن المعنى الموجب للبناء في متبوعاتها.
وقد اعترض على ذلك بأنّهم قد بنوا الصفة لبناء موصوفها في قولك : «لا رجل ضارب في الدار» ، فلم لا تكون هذه الصفة أيضا مبنية بناء «ضارب» في قولك : «لا رجل ضارب في الدار»؟ وفرق بينهما بأنّ المراد هنا نفي رجل على هذه الصفة ، لا نفي رجل مطلقا ، فلم ينف رجل مطلقا أوّلا ثمّ وصف (٢) ، وإنّما نفي رجل موصوف بهذه الصفة ، فصارا بهذا الاعتبار كأنّهما شيء واحد ، لأنّ النّفي لهما جميعا ، بخلاف «يا زيد الطويل» ، فإنّه قد تمّ النداء / في قولك : «يا زيد» ، ولو قلت ثمّ (٣) : «لا رجل» هو المقصود لاختلف المعنى ، ألا ترى أنّ نفي «رجل ضارب» لا يلزم منه نفي رجل مطلقا ، فيختلّ المعنى عند تقديرك أنّ النّفي داخل على رجل مطلقا ، ثم تصفه فتصير معمّما مخصّصا ، وهو باطل بخلاف قولك : «يا زيد الطويل» ، فإنّك تعلم أنّ المنادى زيد ، ولا يختلف المعنى بانضمام الطويل إليه وحذفه في كونه هو المنادى حتى يصحّ تقديره جزءا (٤) معه.
فإن قلت : فما ذكرت في المعنى يمكن مثله في مثل قولهم (٥) :
أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله |
جرير ولكن في كليب تواضع |
وشبهه من المنادى الموصوف على هذا النّحو ، لأنّه لم يقصد إلى النداء أوّلا ثمّ يوصف بعد تمامه ، وإنّما قصد إلى نداء محقّق بالوصف قبل النداء ، فصارت الصفة والموصوف في قصد المنادي مثلهما (٦) في قصد النافي في قولك : «لا (٧) رجل ضارب في الدار».
فالجواب : أنّ الارتباط فيهما حاصل مثله فيما تقدّم ، إلّا أنّه بالطّول فات الموجب للبناء ، فوجب الإعراب ، لأنّ المنادى إذا كان مضافا أو طويلا وجب إعرابه لفوات علّة البناء ، فاتّفق أنّ
__________________
(١) في د. ط : «المعاني».
(٢) في د : «أولا لم يوصف» ، تحريف.
(٣) في د : «ثمة».
(٤) في ط : «جزء» ، خطأ.
(٥) تقدم البيت ورقة : ٥٨ أ.
(٦) في ط : «مثلها» ، تحريف.
(٧) سقط من ط : «لا» ، وهو خطأ.