يكون الطّلب مثبتا ، بل يجب أن يكون منفيّا على ظاهره ، فكأنّه قال : لو كنت ساعيا لمعيشة دنيّة (١) لكفاني القليل غير طالب [له](٢) ، فيكون الفعلان موجّهين إلى قليل بهذا الاعتبار ، وبهذا التقدير يصحّ (٣) أن يكون من هذا الباب ، ويكون قد أعمل الأوّل.
والظّاهر مع سيبويه إذ استعمال واو العطف أكثر ، وأيضا فإنّه قد فهم من سياق كلام الشاعر أنّه لم يقصد إلّا إلى نفي طلب الملك في سياق «لو» لقوله : «ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل» ، فكأنّه تفسير للمفعول الذي حذفه في قوله : «ولم أطلب» (٤) ، ولو كان من هذا الباب لاقتضى أن يكون إعمال الأوّل أولى لأنّ الفصيح قد عدل عن إعمال الثاني مع إمكانه إلى إعمال الأوّل على وجه يستلزم ضعفا ، فلولا أنّه أولى ما اغتفر من أجله الضّعف الذي لزمه ، وهو حذف الضمير من «ولم أطلب».
وإذا أضمرت في نحو «كسوت وكساني إيّاها أو كسانيها زيدا جبّة» فإن كانت الجبّة واحدة فلا إشكال ، وإن كانت متعدّدة وجب أن يكون التقدير مثلها ، فحذف المضاف للعلم به ، لأنّ التقدير «وكساني جبّة» والضمير لها ، لما يلزم من كون الضمير نكرة ، وهو بعيد ، وأيضا فإنّه يؤدّي إلى أن يكون الضمير لغير من يعود عليه ، وإضمار «منطلق» في قولك «ظننت وظنّني إيّاه أو ظننته زيدا منطلقا» أشكل ، لأنّ الظّاهر لغيره ، وفيه ضمير غيره ، وإضماره يوجب تعيينه ، والجواب أنّه لمّأ لم يكن مقصودا به الذات وأضمر مجرّدا عن الضمير صحّ جعله لغيره مضمرا.
والمتعدّي إلى ثلاثة لم يجئ في هذا الباب مسموعا ، فمنعه الجرميّ ، وأجازه آخرون (٥) ، وقالوا في «لعلّ وعسى زيد أن يخرج» إنّه (٦) على إعمال الثاني لصحّة «لعلّ زيدا أن يخرج» (٧) ،
__________________
(١) وردت العبارة في ط : «لو كنت ساعيا لأدنى معيشة».
(٢) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.
(٣) في ط : «فصح».
(٤) في د : «أطلبه» ، تحريف.
(٥) خص الجرمي وقوع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعول واحد ، ومنعه في الأفعال المتعدية إلى مفعولين أو ثلاثة ، واحتج بعدم سماع ذلك عن العرب ، وذهب جمهور النحويين إلى أنه سمع في الأفعال المتعدية إلى اثنين ، وقيس عليها المتعدية إلى ثلاثة ، انظر الكتاب : ١ / ٧٩ ، وشرح التسهيل لابن مالك : ٢ / ١٧٧ ، وشرح الكافية للرضي : ١ / ٨٢ وارتشاف الضرب : ٣ / ٩٢ ، والهمع : ٢ / ١١١.
(٦) سقط من د : «إنه».
(٧) أجاز بعضهم التنازع في لعل وعسى ، انظر ارتشاف الضرب : ٣ / ٩٨ ، والهمع : ٢ / ١١١.