المدينة ، من قريش ، والأنصار ، والعرب ، والموالي ، فقال لهم : احضروا بنيان قبلتكم لا تقولوا غيّر عمر قبلتنا ، فجعل لا ينزع حجرا إلا وضع حجرا ، وهو أول من أحدث الشرفات والمحراب».
يروى عن ابن عباس رضياللهعنهما أنه قال : تبنى المدائن والمساجد جما ، ومسجد المدينة ليس له شرفات.
وعمل الميازيب من رصاص ، ولم يبق منها إلا ميزابان ، أحدهما : في موضع الجنائز ، والآخر : على الباب الذي يدخل منه أهل السوق ـ يعني باب عاتكة ـ وعمل المقصورة من ساج ، وجعل للمسجد عشرين بابا ، وكان هدمه للمسجد في سنة إحدى وتسعين (١) ، ومكث في بنائه ثلاث سنين ، فلما قدم الوليد بن عبد الملك حاجا (٢) جعل ينظر إلى البنيان ، فقال حين رأى سقف المقصورة : ألا عملت السقف مثل هذا؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إذا تعظم النفقة جدا ، فقال : وإن كان ، وكانت النفقة في ذلك أربعين ألف مثقال ، ولما استنفذ الوليد النظر إلى المسجد التفت إلى أبان (٣) بن عثمان بن عفان رضياللهعنه فقال : أين بنياننا من بنيانكم؟ فقال أبان : إنا بنيناه بناء المساجد وبنيتموه بناء الكنائس (٤).
__________________
(١) يذكر الطبري وابن الجوزي في حوادث سنة ٨٨ ه : «وفيها أمر الوليد بن عبد الملك بهدم مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهدم بيوت أزواج رسول الله وإدخالها في المسجد».
انظر : تاريخ الطبري ٦ / ٤٣٦ ، المنتظم ٦ / ٢٨٣.
(٢) يذكر ابن الجوزي في المنتظم ٦ / ٣٠٠ : «بأن الوليد حج في سنة ٩١ ه ، وتفقد عمارة المسجد النبوي». وهذا يرجح أن عمر بن عبد العزيز بدأ في عمارة المسجد في سنة ٨٨ ه ، ومكث في بنائه ثلاث سنين إلى أن قدم الوليد حاجا في سنة ٩١ ه.
(٣) أبان بن عثمان بن عفان الأموي ، روى عن أبيه ، وكان ثقة ، مات بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك.
انظر : ابن سعد : الطبقات ٥ / ١٥١ ـ ١٥٣.
(٤) كذا ورد عند ابن النجار في الدرة ٢ / ٣٧٣ ، والنهرواني في تاريخ المدينة (ق ١١٨ ـ ١١٩).