وتصبح مركز النشاط العلمي والديني والسياسي في العالم الإسلامي.
والواقع أنه ما كان لهذا النشاط العلمي أن يزدهر في عصر المماليك لو لا تشجيع السلاطين للعلم والعلماء ، وأن ذلك مما يقربهم إلى قلوب الأمة ، فبذلوا للعلماء من المال الكثير والمنصب المرموق ما جعلهم يجدون لجمع شوارد العلوم حتى فاضت خزائن الكتب بآثار عقولهم وثمار أفكارهم ، فازدهرت الحركة الثقافية ، واتت ثمارها المرجوة بسبب التنافس بين العلماء ، والغيرة على تراث المسلمين الذي أباد التتار كثيرا منه.
وقد ربط السيوطي بين إحياء الخلافة العباسية في مصر وبين النشاط العلمي الواسع فيها بقوله : «أنه منذ إحياء الخلافة العباسية في مصر غدت هذه البلاد محل سكن العلماء ومحط رجال الفضلاء» (١).
وتضافرت جهود العلماء لخدمة اللغة والدين ، وصار بمصر نهضة علمية مباركة امتدت روافدها إلى الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وكانت الروح الدينية لدى السلاطين المماليك والشعب عامة مرتفعة ، ويبدو هذا في كثرة المنشآت الدينية التي ظهرت في تلك المرحلة من مساجد ، ومدارس ، وحلقات العلم ، وتقوم على تدريس العلوم الدينية ، وتقديم الخدمات لطلبة العلم ، هذا بالإضافة إلى الكتب الدينية التي صدرت انذاك ، وربما كان ذلك يعود إلى الحروب الدينية التي خاضها المماليك ضد التتار من جهة وضد الصليبيين من جهة ثانية ، أو إلى الحماس الديني الذي انتشر في تلك الآونة ، حيث وجد المسلمون أنفسهم أنهم وعقيدتهم الهدف من الهجمات الشرسة من أعداء الإسلام.
__________________
(١) انظر : السيوطي. حسن المحاضرة ٢ / ٩٤.