ولما فتحت المدينة المنورة ، وأرسل بمفاتيحها إلى الدولة العلية ، خرجوا لملاقاة المفاتيح من خارج القسطنطنية ، ولاقوها بالمباخر تعظيما جميع كبار ورجال الدولة وعلمائها ، وخرج السلطان محمود بنفسه إلى خارج السراية لملاقاتها ، وأرسل إلى سائر البلدان بالبشائر والتهاني ، وفي الحال أمر السلطان أن يعيدوا في الحرمين ما امتدت إليه أيدي الخراب ، فأعيد إلى الحالة الأولى ، بل أحسن وزاد في إعطاء أهلها ، وسيأتي إن شاء الله تعالى قصة فتح الدرعية ، وإرسال إبراهيم باشا إليها وتخريبها.
ولما تولّى الوزارة سليمان باشا المقتول سار في الناس سيرة حسنة ، وجالس العلماء ، ومن يظن فيه الخير ، ومنع قضاة الأعمال عن أخذ العشور ، ورتّب لهم كفايتهم من بيت المال ، وحظي عنده من علماء بغداد شيخنا علي السويدي عالي الإسناد في الحديث ، ولولاه لخربت البصرة ، ولم يجب منها قوصره ، وذلك لسعي متسلمها في تدميرها وخرابها لظلمه وعسفه.
في سنة ١٢٢٤ ه (أربع وعشرين ومائتين وألف) : غزا الوزير سليمان باشا المقتول ديار بكر بجيش عظيم لتأديب آل الضفير ، وقبيلة من عنزة كبيرهم الدريعي ، وكان خروجه من بغداد في الخامس والعشرين من محرم.
فلما جاوز الموصل شنّ الغارة على أهل سنجار فصبّح القرية المعروفة بالبلد ، وغنم وقتل وسبى ، وتحصّن من بقي من أهلها بثنية من ثنا سنجار ، ثم توجّه إلى آل الضفير والعنزيين ، فلما وصل إلى رأس العين بين حراب ونصيبين ، وكان أخوه من الرضاعة أحمد بيك توجه إلى ماردين