والصدق والوفاء ، وكان كلما زاد رفعة عند الملوك ازداد تواضعا على العامة ، وذلك أن أصله من خرقة العلماء وفي مدة عمره جلساؤه أهل العلم والصلاح ، وكان يعتمد عليه الوزراء في السفارة بينهم وبين قرنائهم ، لأمانته وفصاحته ودهائه ، وطلما خدم هده الدولة خدمة النصوح الأمين ، إلّا أنه في المثل أخر خدمة السلطان قطع رأس ، ولكن بعض الحساد أغروا الوزير عليه فخنقه وخنق أخاه.
وأما أخوه عبد العزيز فما هو بعيد من محمد في العقل والفصاحة والديانة لكن لما أرسله الوزير سليمان باشا إلى الوهابية في نجد شرب بعض عقائدهم ظنا أنها هي الحق وما عداها الباطل لأن هؤلاء الوهابيون تغالوا في إظهار النصح للإسلام ، حتى خرجوا عن الحد ، وأظهروا للناس بعض زخارف لا تروّج إلّا على العوام ، وصاروا يكفّرون ما عداهم من المسلمين ، حتى إن بعضهم ألّف كتابا ، وذكر فيه أن الإمام السبكي مشرك ، وهم يسمون أنفسهم بالسلف ، ويزعمون أن لهم قدرة [٣٠] على أخذ الأحكام من الأحاديث النبوية ، مع أني رأيت أعلمهم يقرأ في الحديث ، ويقول : حدّثنا الحرث بن هشام ، بفتح الحاء وسكون الراء ، ولم يعرف أن نحو الحارث مع (أل) يرسم بدون ألف ، ومن جهل مثل هذا ، أفهل يجوز له أن يستنبط الأحكام من الأحاديث النبوية ، مع أنه لا يعرف اصطلاح علم الحديث ، بل ولا الضروريات منه ، وما ضرّنا إلّا جهلهم المركب ، تجد ، الرجل منهم بدويا جافي الطبع ، كان يرعى الغنم ، فأصبح يفسر في القرآن بجهله وبرأيه.
نعم وإن كان في زمنه صلىاللهعليهوسلم يرد عليه البدوي الجاهل الجلف فبعد مدّة قريبة تتفجّر ينابيع الحكمة من قلبه ، إلّا أن ذلك لمشاهدته الأنوار النبوية