فملّه الشيخ أبو العباس وأراد قطعه عنه ، فعمل على بابه غلقا له مفتاحان ، وأراد إغلاقه حتى يظن أنه ليس في البيت أحد ، فيخلو بنفسه في بيته حتى يخرج إلى المسجد لصلاته ، ثم يرجع إلى بيته ، فتسلط عليه هذا الرجل حتى وقف له بالليل عند خروجه في السحر إلى المسجد.
وقال له : أنت فلان؟ وحقّ كذا وكذا إن لم تعطني ما أطلبه منك لا قتلنّك ، ولأفعلن بك كيت وكيت ، ثم ذهب إلى الشرفاء فسعى به وقال لهم : عند فلان من الذهب عشرة آلاف وبالغ في الأذية ، والشيخ يحيله على الله تعالى ، ويصبر على أذاه حتى مرض الشيخ في بيته ، وكان مجاورا لي ، فكأنه غفل عن الباب فدخل عليه وهو مريض ، فروّعه ولو لم أعاجله بالدخول عليه لما كنت أدري ما يفعل به.
ثم ذهب إلى الأمير وقال : إن مات ابن مرزوق استغنيت الدهر ، وكلّ ماله عند ابن فرحون ، فبلغه ذلك وأخبرته بما صدر منه ، فقال لي : وصل إلى هذا الحد ، أنا إن شاء الله أريك فيه.
فو الله لم تمرّ عليه أيام قليلة أقلّ من جمعة ، حتى حمل إلى المقبرة بعد عذاب شديد ناله في مرضه ، وذلك سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.
وكان الشيخ لا يأكل الرطب ولا الفاكهة ولا البطيخ ولا العنب ولا اللحم والسمن حتى نحل ورقّ ، وعزمت عليه بظاهر الشرع.
وكان صائم الدهر قائم الليل ، ولا يفتر من ذكر الله تعالى ، يتفقد الفقراء في بيوتهم ، ويعالج الطرحاء في مكانهم ، ويطوف على المرضى بالمدينة فيتفقدهم أينما كانوا بالطعام والدواء ، ويشهيهم فيعمل لهم ما يشتهون ، ويطلب منا المساعدة على ذلك.
وكان لا يزال متبسما يسأل عن الصّغير والكبير ، ويأتي إلى بيوت أصحابه ويدعو لصغارهم ، وكان لي منه نصيب أيّ نصيب ، إن قلت : لم أنل الخير إلا معه ، ولم أر السعد إلا في أيامه ، كنت صادقا.
وكان يتفقد نفسه إذا وقع في شيء من الهمّ ، حتى إنه جاء يوما من المسجد وبيده قطيعة من حديد ، تساوي فلسا ، أو لا تساوي ، فنادى ولدي