فبلغ ذلك الشيخ
أبا العلا رحمهالله ، وكان من الورعين الزاهدين ، فلما جاء وقت تفريقة
التمر على المجاورين أرسل إليه بنصيبه على العادة فتورّع وردّه ، فجاءه الشيخ ،
وقال : لأيّ شيء ترد التمر وأنت لم تزل تأخذه ، وإذا كنت غنيا عنه صرفته على
مستحقيه ولا تردّه في وجهي؟
فقال له : أنت
خالفت في الأوقاف المعاملة الشرعية ، وعملت فيها ما لا يجوز ، وأدخلت علينا الشبهة
فيما نتناوله منها ، وهذا لا يجوز لك ، ولا يحل لنا أن نأخذه منك ، فاشتد على
الشيخ كلامه وأن يسمع منه مثل هذا الكلام ، وكانوا يغارون على عرضهم ودينهم من مثل
هذا أو دون هذا ، فكأنه شكى حاله معه إلى الأمير جماز ، وقد تقدم أنه كان بينه
وبين الشرفاء خلة وصحبة أكيدة ، فاغتاظ الأمير ، وأمر بإخراج الشيخ أبي العلا من
المدينة.
فبلغ ذلك الشيخ
أبا محمد البسكري والجماعة فعزّ ذلك عليهم ، وأرسل الشيخ أبو محمد إلى الشيخ بأن يترك له صاحبه ولا يشدد عليه ، ويرد الأمير عنه ،
فلم يفعل.
فقيل لي : إن
الشيخ أبا محمد بعث إليه جماعة من أصحابه بعد العشاء الآخرة ، فدخلوا عليه في بيته
فوجدوه قد اضطجع على سريره ، فوقفوا بين يديه كاشفين رؤوسهم في الاستغفار ، فغفل
عنهم فنام وغلب عليه النوم ، فما قام حتى ذهب جانب من الليل فوجدهم قياما على
حالهم فعزّ عليه.
وقال : اذهبوا
حتى يأتيني هو بنفسه أو شيئا نحو ذلك ، فرجعوا ولم تنقض لهم حاجة ، وأخبروا الشيخ
أبا محمد بما تمّ لهم معه ، فغاظه ذلك وخرج لصلاة الصبح ، فاجتمع بالقويضي ابن أبي
النصر ، وكان مفتي الإمامية وشيخهم ، وكان يعتقد الشيخ أبا محمد ، فحكى الشيخ
الحكاية ، فجاء إلى شيخ الخدام فكلمه فأنعم له وقبل شفاعته ، ثم جاء إلى الشيخ أبي
محمد ، فقال له : قد أنعم ورضي وجعل له بذلك عليه يدا.
فلما خرج جمع
الشيخ أبو محمد أصحابه ، وحكى لهم ما جرى من
__________________