طفيل بن منصور وأخلع عليه وكتب تقليده ، وتوجه إلى المدينة ، فوصلها في الحادي عشر من شهر شوال من السنة المذكورة ، وخرج منها عسكر ودي وأصحابه.
واستمر طفيل ـ رحمهالله ـ في المدينة حاكما مدة ثمان سنين وثلاثة عشر يوما ، واستمر عسكر بن ودي وأولاد مقبل يشنون الغارات على المدينة ، ويرعون زروعها ويحرقون نخيلها ويجدون ثمرها ، وفي تلك الغارات قتل علي بن ودي ، وعجاجة وغيرهما ، وذلك في سنة تسع وعشرين. ثم خرج إليهم القاضي شرف الدين والخدام وصالحوهم على خمسة عشر ألف درهم ، وعلى ثمرة أملاكهم ، وأملاك من يلوذ بهم.
فلما تم الصلح بينهم وبين الأمير طفيل ، استنجد طفيل بصالح بن حريث من آل فضل ، وبعمرو بن وهيبة من آل مرّا ، وبعسّاف بن متروك الرزاق ، فجاؤوه في جموع عظيمة ، وكانوا ألفي فارس وخمسمائة راحلة ، وباقيهم رجال ، وجمع طفيل من بني حسين ما أمكنه ، وخرج بالترك الذين كانوا معه في المدينة وساروا جيشا عظيما ، وأغاروا على عسكر بن ودي وأولاد مقبل ، وكانوا ثمانية عشر فارسا وقيل خمسة عشر ، وقيل ستة عشر ، فكسروا هذا الجمع العظيم ، وخلصوا منه سالمين بقدرة الله تعالى ، وذلك بسبب الغدر بهم عقيب المصالحة.
وأما ودي فاستمر محبوسا من التاريخ المتقدم إلى خامس شهر رمضان من سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ، فكانت مدة حبسه نحو أربع سنين ، ثم فرج الله تعالى عنه.
ولما كان في سنة ست وثلاثين وسبعمائة ، توجه طفيل إلى مصر واستخلف في المدينة ولده المسمى عجمي ، وكان وزير طفيل يومئذ علي بن مبارك الحسامي ، فلما كان في شهر رجب جاء ودي وجماعته إلى المدينة وحاصروها ، فلما كان في بعض الليالي دخلوا المدينة على غفلة في وقت السحر من الحديقة التي في زقاق قريش ، وكان في المدينة الأمير عطية والأمير زيان أبناء منصور وغيرهم ، فأدركوهم في الحديقة المذكورة ، ووقع بينهم قتال شديد ، ثم رجعوا من حيث دخلوا من السور وأقاموا محاصرين المدينة.