بالنداء بالمدينة في يوم الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة أحد شهور سنة
خمسين وسبعمائة : أن لا يحكم في المدينة مع القاضي شمس الدين غير فلان ، ومن تعرض
ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
فمن يومئذ
انقطع أمرهم ونهيهم بالكلية ، وظهر علم أهل السنّة ، واجتمعت الكلمة ، ووجدنا على
الحق أعوانا ، ثم إن الأمير سعدا منع أيضا أن يدخلوا معه إلى الحجرة المشرفة إذا
أراد الزيارة ، وأقام مقامهم الفقيه برهان الدين إبراهيم بن عبد الله المؤذن
وصاروا كما قال تعالى : (فَوَقَعَ الْحَقُ) [الأعراف : ١١٨] الآية.
ولما تمّ الأمر
لأهل السنّة وانقطع دابر القوم ، وقع بينهم افتراق الكلمة وطهرت من الفتنة ،
فأسخطوا بذلك الرحمن ، وأرضوا الشيطان ، وأصبح كل من المجاورين فيما بينهم وبين
الخدام متحزبين أحزابا منتظرين لبعضهم عذابا ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن شر
الشيطان الرجيم.
ولما رأيتهم
على هذا الحال ، وقد كثر بينهم القيل والقال ، لزمت بيتي رغبة في السلامة ، متمثلا
بقول العلامة أبي شامة ، رحمهالله :
ألا يا لائمي
مالي سوى البيت موضع
|
|
أرى فيه عزا
أنه لي أنفع
|
وقد يسر الله
الكريم بفضله
|
|
غنى النفس مع
شيء به أتقنّع
|
وفي حسن ظني
أنّ ذا يستمر لي
|
|
إلى الموت إن
الله يعطي ويمنع
|
ولنرجع إلى ما
كنا فيه من أخبار القاضي شمس الدين ابن السبع رحمهالله ، كان خطيبا مصقعا إذا خطب على المنبر ، يسمع من طرف
السوق مع ما في السوق من اللغط ، ولو أنصت له منصت من أعلى سور المدينة سمع كلامه
، مع الفصاحة العظيمة وحسن الأداء ، وبدت منه سقطات لا تليق بالحكام ، واشتهرت عنه
بين الناس ، منها : أنه صحّف المثل المشهور : (إذا قالت حذام فصدقوها). فنطق بها
بضم الخاء المعجمة وتشديد الدّال المهملة ، ويقال : إنه زعم بذلك خدام الحرم
الشريف النبوي.
فلما كانت سنة
أربع وخمسين وسبعمائة سافر جماعة من المجاورين وأشاعوا عنه تلك الأشياء ، وكان
القاضي عزّ الدين بن جماعة من أعظم