وكان بالمدينة جماعة من العمريين ينتسبون إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، كانوا جماعة كثيرة لهم شوكة وحرمة ، وكلمة نافذة ، وكانوا أهل حشمة وخيل ، وعبيد وأتباع ، ولهم بالمدينة أملاك عظيمة وكانوا أهل نصرة لأهل السنّة مختلطين بالمجاورين والخدام ، وكانوا حسنة زمانهم وزينة وقتهم ، وكان جمال الدين المطري بهم خصيصا وكان شيخهم علي بن مطرف (١) قتل شهيدا مخنوقا في المدينة المشرفة. وله قصة يطول شرحها ، وذلك في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
كان لنا منهم الأخ الصالح المقري الفقيه الحنفي عزّ الدين حسن بن يعلى العمري (٢) رحمهالله ، كان في الحقيقة حسنة زمانه منهم ، منعطفا على قراءة القرآن ، وعلى صحبة الإخوان والنصيحة لهم ، والقيام بواجب الشرع والبغض على أهل الشر والبدع ، رحمهالله تعالى وغفر له. خلف ذرية صالحة كلهم قرأ القرآن وجوده واشتغل بالعلم وتبتل له. توفي رحمهالله في سنة ست وسبعمائة.
وكان في المدينة جماعة من ذرية الأنصار ، لهم حارة يسكنونها وحدهم منهم : عبد الله الحاذي ، كانت جدتي لأمي منهم ، وكان الحذاة اسم علم عليهم ، وإذا قيل : فلان من الحذاة ، علم أنه من ذرية الأنصار ، وكانت تحكي عن أيامها وأهلها غرائب من سلامة الباطن والسذاجة والتعفف الذي لم يسمع مثله عن أجدادهم رضياللهعنهم ، وكانت قد أسنت وعمرت ممتعة بسمعها وبصرها حتى جاوزت المئة ، أو قريبا منها والله أعلم.
أخبرتني عن أخ لها أنه دخل بيته بالمدينة فوجد حية منطوية على بيت الطهارة ، فضربها وقتلها فلم يخرج من موضعه حتى سقط سقف البيت عليه فمات. وهذه القضية تشبه قضية الأنصاري التي جرت يوم الخندق في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم.
وكانت قد أدركت النار التي خرجت شرقي المدينة ، وكانت تحكي لنا
__________________
(١) ذكره في «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٠١ (٣٠٨٩) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «الدرر الكامنة» ٢ / ١٢٩ (٢٩٧).
(٢) ذكره في «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٨٨ (٩٥٦) ، نقلا عن ابن فرحون.