عتيق جمال الدين المطري فذكروا أنهم قرروه فلم يقر ، فضربه الأمير ثابت بيده ضربا وجيعا بالدبوس ، فأظهر لهم شيئا مما هو للعفيف كان قد أخفاه ، فأخذوا جميع ما فيه من الكتب والمتاع والأثاث حتى الحصر التي على الأرض ، فأما ابن عبد العزيز فأخرج من ليلته.
وأما الشيخ عفيف الدين فبقي فيه نحو يومين وليلتين ، ثم خرج على أن يدفع لهم سبعة أحمال رز ، فحسب ثمنها ألف درهم وخمسمائة وخمسة وسبعون درهما ، وضمنه ابن عبد العزيز وعبد الله بن محمد بن إبراهيم المؤذن ، فدفع لهم ذلك بعد أن اقترضه ، ولم نعلم أنه قبل من أحد من أصحابه شيئا لا فيما غرم ولا فيما جدّد في بيته من أثاث وغيره وصبر واحتسب. وكانت عنده ودائع للناس غرمها لأصحابها وأخلف الله عليه وجمّل حاله وأعقبت هذه القصة صاحبها خيرا.
وكان الأمير المذكور قد أمر بإخراج جميع المجاورين غنيهم وفقيرهم في يوم وفاة الخادم المذكور ، وأنظرهم ثلاثة أيام ليتجهزوا فيها وصمم على ذلك ، ثم تركهم في يوم خروج العفيف بعد شفاعات ، ثم شوش عليهم وطلب عشرة آلاف درهم من أحد عشر نفرا ، وألزمهم بالخروج من المدينة إن لم يدفعوها ، فخرج الجماعة إلى قباء وجرى في ذلك كلام كثير ، ثم طلع القاضي شرف الدين (١) ، إلى الأمير وتكلم معه كلاما غليظا.
وقال : أنا أول من يسافر معهم ، فرجع الأمير عن رأيه وبعث إليهم فدخلوا المدينة آمنين.
وأخبر محمد بن يعقوب وزير الأمير أن الحاصل الذي جمعه من بيت العفيف مع حاصل آخر كان له ، وحاصل آخر كان لزوجة ولده سعد ، خرج به الأمير المذكور في الليل من باب السر الذي في القلعة ودفنه خارج المدينة تحت حوش ودي ، وكان معه عبد واحد لم يطلع على ذلك أحد غيره ، ثم افتقده بعد أيام فلم يجده ، فقرّر العبد فلم يقرّ بشيء ، فقتله معاقبا
__________________
(١) هو : شرف الدين الأميوطي ، وقد تقدمت ترجمته.