ثم إنه مات عزيز الدولة ، فقيل له : إنما كان غضبك من كلام الشيخ وقد مات فافعل ما يفعله الناس ، فامتنع وصبر.
فلما بنيت المأذنة الجديدة ، قيل له : هذه المأذنة لم تكن حين يمينك موجودة فاستقل بها ، فلم يفعل ، واستمر كذلك حتى أراد الله تعالى ، فجاء عز الدين المؤذن ليلة وقد مضى من الليل نصفه ، فدق باب الحرم ودخل وقد لحقه اختلال ، فطلع المأذنة الجديدة وتكلم على عادته فأنكر الناس قيامه ، ثم سكت ولم ينزل ، فطلعوا إليه فوجدوه ميتا رحمهالله ، وذلك في سنة عشر وسبعمائة ، وفيها توفي عزيز الدولة أيضا فانحلت اليمين ، وطلع المأذنة في أيام الحريري وكان من أكبر أحبابه ، فانظر إلى هذه النفس الأبية والهمة العلية ، توفي رحمهالله سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وكان مولده في سنة إحدى وسبعين وستمائة.
ثم خلفه في أخلاقه وسيادته ولده الشيخ الإمام العلامة أبو السيادة عفيف الدين عبد الله (١) ، وزاد عليه بالمشيخة في الحديث ولقاء الشيوخ ، فإنه رحل إلى العراق وسمع بها الحديث ، ثم رحل إلى مصر ودمشق وحلب وكثير من الأقاليم ، ولقي من شيوخ هذا الفن ما لا يحصى كثرة ، واشتهر ذكره شرقا وغربا بسبب هذا العلم وبما كان فيه من مكارم الأخلاق والإحسان إلى الغرباء الواردين عليه.
وكان منجمعا منقبضا عن الناس ما عدا الغرباء الواردين عليه ، فإنه كان لهم كالأب الشفيق ، وانتهت إليه مشيخة الصوفية بمكة والمدينة ، فإنه كان في زيّهم ولباسهم وأخلاقهم في أعلى المراتب ، وكان إماما في علم الرجال والحديث مع مروءة وسكينة وحشمة ، مع ما رزق من الشكالة الحسنة والخصال المستحسنة ، ولم يتزوج قط ، بل كان عنده جوار يقومون بخدمته وخدمة أصحابه.
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٧٥ (٢٢١٢) ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٢٨٤ (٢٢٠١) ، «معجم الشيوخ» للذهبي ١ / ٣٣٦ (٣٧٢) ، «ذيل العبر» للعراقي ١ / ١٥٥ ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٤٨ / أ.