وجعل منه بعضهم (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] ، ولا يجوز ذلك في غيرهما من ألفاظ التأكيد.
(و) منه (للشمول) ورفع توهم إطلاق البعض على الكل (في المثنى كلا وكلتا ، وفي غيره) أي : الجمع وما في معناه (كل وجميع وعامة مضافة) كلها (إلى الضمير) المطابق للمؤكد (وأجمع وأكتع وأبصع وأبتع).
(ومن ثم) أي : من هنا وهو كون هذه الألفاظ دالة على الشمول ، أي : من أجل ذلك (لم يؤكد بالأولين) أي : كلا وكلتا (ما لا يصلح موضعه واحد) فلا يقال : اختصم الرجلان كلاهما ولا رأيت أحد الرجلين كليهما ولا المال بين الرجلين كليهما ؛ لعدم الفائدة ؛ إذ لا يحتمل في ذلك أن يراد بالرجلين أحدهما حتى يحتاج إلى التأكيد لدفعه ، ولأنه لم يسمع من العرب قط ، ويدل له أنهم لا يؤكدون فعل التعجب بالمصدر ؛ لأن التأكيد لرفع توهم المجاز في الفعل ، وإثباته حاصل لكونه حقيقة ؛ إذ لا يتعجب من وصف شيء إلا وذلك الوصف ثابت له ، فكما رفضوا تأكيده بالمصدر رفضوا تأكيد ما ذكر لما كان المجاز لا يدخله (خلافا للجمهور) في تجويزهم ذلك ، قالوا : لأن العرب قد تؤكد حيث لا يراد رفع الاحتمال كما أتوا بأجمع وأكتع بعد كل ، ولا احتمال يرفع بهما لرفعه بكل ، والجواب كما قال أبو حيان : أن المعنى إذا كان يفيده اللفظ حقيقة فلا حاجة للفظ آخر يؤكده إلا إذا قوي برواية عن العرب ، وقد ذكرنا أن ذلك لم يسمع.
(و) من ثم أيضا (لا) يؤكد (بالبواقي) أي : كل وما بعده (غير ذي أجزاء ولو حكما) إذ ما لا يتجزأ لا يتوهم فيه عدم الشمول حتى يرفع بالتوكيد بها ، فلا يقال : جاء زيد كله ، ويقال : قبضت المال كله وبعت العبد كله ورأيت زيدا كله ؛ لإمكان رؤية وبيع بعض زيد والعبد.
(وأنكر المبرد عامة) وقال : إنما هي بمعنى أكثر ، ولم يذكر أكثر النحاة (جميعا) ، قال ابن مالك : سهوا أو جهلا ، وقال : قد نبه سيبويه على أنها بمنزلة (كل) معنى واستعمالا ، ولم يذكر له شاهدا وقد وجدت له شاهدا ، وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنها :
١٥٥١ ـ فداك حيّ خولان |
|
جميعهم وهمدان |
__________________
١٥٥١ ـ البيتان من الهزج ، وهما لامرأة من العرب ترقص ابنها في شرح التصريح ٢ / ١٢٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٩١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣ / ٣٣٠ ، انظر المعجم المفصل ٢ / ٩٥٥.