تكتب معي كتابا؟ قال له عمرو : وما تصنع بالكتاب؟ ألست رجلا عربيّا تبلّغ الرسالة؟ وما رأيت وما حضرت! فلمّا قدم على عمر ، وأخبره بفتح الإسكندرية ، خرّ عمر ساجدا ، وقال : الحمد لله.
وحدّثنا إبراهيم بن سعد البلويّ ، قال : كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضياللهعنه : أمّا بعد ، فإنّي فتحت مدينة لا أصف ما فيها ، غير أنّي أصبت فيها أربعة آلاف منية (١) بأربعة آلاف حمّام وأربعين ألف يهوديّ وأربعمائة ملهى للملوك.
وأخرج ابن عبد الحكم ، عن أبي قبيل وحيوة بن شريح ، قالا : لمّا فتح عمرو بن العاص الإسكندرية ، وجد فيها اثني عشر ألف بقّال يبيعون البقل الأخضر.
وأخرج عن محمد بن سعيد الهاشميّ ، قال : ترحّل في الليلة التي دخل فيها عمرو ابن العاص الإسكندرية منها ـ أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو بن العاص ـ سبعون ألف يهوديّ.
وأخرج عن إبراهيم بن سعد البلويّ ، أنّ سبب فتح الإسكندريّة ، أنّ رجلا كان يقال له ابن بسّامة ، كان بوّابا ، فسأل عمرو بن العاص أن يؤمّنه على نفسه وأرضه وأهل بيته ، ويفتح له الباب ، فأجابه عمرو إلى ذلك ، ففتح له الباب فدخل.
وأخرج عن حسين بن شفيّ بن عبيد ، قال : كان بالإسكندرية ، فيما أحصى من الحمّامات اثنا عشر ديماسا (٢) ، أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس ، كلّ مجلس منها يسع جماعة نفر ، وكان عدّة من بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال ، فلحق بأرض الروم أهل القوّة ، وركبوا السفن ، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار ، فحمل فيها ثلاثون ألفا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل ، وبقي من بقي من الأسارى ممّن بلغ الخراج ، فأحصي يومئذ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان ، فاختلف الناس على عمرو في قسمتهم ، وكان أكثر الناس يريدون قسمتها ، فقال عمرو : لا أقدر أقسمها ، حتّى أكتب إلى أمير المؤمنين ، فكتب إليه يعلمه بفتحها وشأنها ، ويعلمه أنّ المسلمين طلبوا قسمها ، فكتب إليه عمر : لا تقسمها (٣) ، وذرهم يكون خراجهم فيئا للمسلمين ، وقوّة لهم على جهاد عدوّهم ، فأقرّها عمرو ، وأحصى أهلها ، وفرض عليهم الخراج ، فكانت مصر صلحا كلّها بفريضة دينارين دينارين على كلّ رجل ، لا يزاد على
__________________
(١) في المنجد : المنية : البغية.
(٢) الديماس : الحمّام.
(٣) في الكامل لابن الأثير ٢ / ٣٩٧ : جزية قائمة أحبّ إلينا من غنيمة تقسم.