لمحمد بن عبد الله ، من المقوقس عظيم القبط. سلام عليك ، أمّا بعد ، فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، وما تدعو إليه ، وقد علمت أنّ نبيّا قد بقي ؛ وكنت أظنّ أنّه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك ، وبعثت إليك بجاريتين (١) لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت إليك بغلة لتركبها. والسلام.
وأخرج ابن عبد الحكم ، عن أبان بن صالح ، قال : أرسل المقوقس إلى حاطب ليلة ، وليس عنده أحد إلّا ترجمان له ، فقال له : ألا تخبرني عن أمور أسألك عنها ، فإنّي أعلم أنّ صاحبك تخيّرك حين بعثك لي؟! قلت : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك ، قال : إلام يدعو محمد؟ قال : إلى أن نعبد الله ، ولا نشرك به شيئا ، ونخلع ما سواه ، ويأمر بالصلاة. قال : فكم تصلّون؟
قال : خمس صلوات في اليوم والليلة ، وصيام شهر رمضان ، وحج البيت ، والوفاء بالعهد ، وينهى عن أكل الميتة والدّم. قال : ومن أتباعه؟ قال : الفتيان من قومه وغيرهم ، قال : فهل يقاتل قومه؟ قال : نعم ، قال : صفه لي ، قال : فوصفته بصفة من صفاته ، ولم آت عليها ، قال : قد بقيت أشياء ، لم أرك ذكرتها ؛ في عينيه حمرة قلمّا تفارقه ، وبين كتفيه خاتم النبوّة ، يركب الحمار ، ويلبس الشملة ، ويجتزئ بالتمرات والكسر ، لا يبالي من لاقى من عمّ ولا ابن عمّ ، قلت : هذه صفته ، قال : قد كنت أعلم أنّ نبيّا قد بقي ، وقد كنت أظنّ أنّ مخرجه بالشام ، وهناك تخرج الأنبياء من قبله ، فأراه قد خرج في العرب ، في أرض جهد وبؤس ، والقبط لا تطاوعني في اتّباعه ، ولا أحبّ أن يعلم بمحاورتي إيّاك ، وسيظهر على البلاد ، وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتّى يظهروا على ما ههنا ، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا فارجع إلى صاحبك.
وأخرج ابن عبد الحكم ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ، قال : لمّا مضى حاطب بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قبل المقوقس (٢) الكتاب ، وأكرم حاطبا ، وأحسن نزله ، ثم سرّحه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين ، إحداهما أمّ إبراهيم ، ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبديّ ، فهي أمّ زكريا بن جهم ، الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر.
قال ابن عبد الحكم : ويقال بل وهبها رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحسّان بن ثابت ، فهي أمّ
__________________
(١) في الكامل لابن الأثير ٢ / ١٤٣ : أربع جوار.
(٢) المقوقس اسم أطلقه العرب على كورش وزير حاكم مصر البيزنطي وبطريرك الإسكندرية.
[المنجد في الأعلام].