قال : ومن عجائبها
القبّة الخضراء ، وهي أعجب قبّة ملبّسة نحاسا ، كأنّه الذهب الإبريز ، لا يبليه القدم ، ولا يخلقه الدهر.
وقال : ومن
عجائبها منية عقبة ، وحصن فارس ، وكنيسة أسفل الأرض ؛ وهي مدينة على مدينة ، وليس
على وجه الأرض مثلها ، ويقال إنّها إرم ذات العماد ، سمّيت بذلك لأنّ عمدها لا يرى
مثلها طولا وعرضا.
وقال صاحب مرآة
الزمان : كان للإسكندر أخ يسمّى الفرما ، فلمّا بنى الإسكندر الإسكندريّة ، بنى
الفرما الفرما على نعت الإسكندريّة. ولم تزل مدينة الإسكندريّة بهجة يرتاح إليها
كلّ من رآها ، ولم تزل الفرما مذ بنيت رثّة ، فلمّا فتحت الإسكندريّة قال عوف بن
مالك لأهلها : ما أحسن مدينتكم! فقالوا : إنّ الإسكندر لمّا بناها قال : هذه مدينة
فقيرة إلى الله تعالى غنيّة عن الناس ، فبقيت بهجتها. ولمّا فتحت الفرما قال أبرهة
بن الصّباح لأهلها : ما أخلق مدينتكم! قالوا : إنّ الفرما لما بناها قال : هذه المدينة
غنيّة عن الله ، فقيرة إلى الناس ، فذهبت بهجتها.
ذكر دخول عمرو بن العاص مصر في الجاهلية
أخرج ابن عبد
الحكم ، عن خالد بن يزيد ، أنّه بلغه أنّ عمرا قدم إلى بيت المقدس لتجارة في نفر
من قريش ، وإذا هم بشمّاس من شمامسة الروم من أهل الإسكندريّة ، قدم للصّلاة في بيت
المقدس ، فخرج في بعض جبالها يسيح ، وكان عمرو يرعى إبله وإبل أصحابه ، وكانت رعية
الإبل نوبا بينهم ؛ فبينما عمرو يرعى إبله إذ مرّ به ذلك الشمّاس ، وقد أصابه عطش
شديد في يوم شديد الحرّ ، فوقف على عمرو ، فاستسقاه ؛ فسقاه عمرو من قربة له ،
فشرب حتّى روي ؛ ونام الشمّاس مكانه ، وكان إلى جانب الشمّاس حيث نام حفرة ، فخرجت
منها حيّة عظيمة ، فبصر بها عمرو فنزع لها بسهم فقتلها ؛ فلمّا استيقظ الشّماس نظر
إلى حيّة عظيمة قد أنجاه الله منها ، فقال لعمرو : ما هذه؟ فأخبره عمرو أنّه رماها
بسهم فقتلها ، فأقبل إلى عمرو ، فقبّل رأسه ، وقال : قد أحياني الله بك مرّتين :
مرّة من شدّة العطش ، ومرّة من هذه الحيّة ، فما أقدمك هذه البلاد؟ قال : قدمت مع
أصحاب لي نطلب الفضل من تجارتنا ، فقال له
__________________