ثم رأيت أثرا صريحا في دخول أيّوب وشعيب عليهما الصلاة والسلام مصر ؛ أخرج ابن عساكر عن أبي إدريس الخولانيّ ، قال : أجدب الشّام ، فكتب فرعون إلى أيّوب ؛ أن هلمّ إلينا ، فإنّ لك عندنا سعة ، فأقبل بخيله وماشيته وبنيه ، فأقطعهم ؛ فدخل شعيب على فرعون ، فقال : يا فرعون (١) ، أما تخاف أن يغضب الله غضبه ، فيغضب لغضبه أهل السّماوات والأرض والجبال والبحار؟ فسكت أيّوب ، فلمّا خرجا من عنده أوحى الله تعالى إلى أيّوب : أو سكتّ عن فرعون لذهابك إلى أرضه؟! استعدّ للبلاء.
وعدّ بعضهم ممّن دخلها من الأنبياء لقمان (٢) ؛ وفي مرآة الزمان حكاية تقول إنّه من سودان مصر ، وفي نبوّته خلاف ، والقول بأنّه نبيّ قول عكرمة وليث.
وعدّ الكنديّ وغيره فيمن دخلها من الصدّيقين الخضر (٣) وذا القرنين. وقد قيل بنبوّتهما. والقول بنبوّة الخضر حكاه أبو حيّان في تفسيره عن الجمهور ، وجزم به الثعلبيّ ، وروى عن ابن عباس. وذهب إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحاق أنّه نبيّ مرسل ؛ ونصر هذا القول أبو الحسن بن الرمانيّ ، ثمّ ابن الجوزيّ.
والقول بنبوّة ذي القرنين (٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمرو ابن العاص. ودخول ذي القرنين مصر ، ورد في حديث مرفوع سيأتي في بناء الإسكندريّة.
ودخول الخضر غير بعيد ؛ فإنّه كان في عسكر ذي القرنين ، بل أحد الأقوال في الخضر أنّه ابن فرعون لصلبه ، حكاه الكنديّ وجماعة ، آخرهم الحافظ بن حجر في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة ؛ فعلى هذا يكون مولده بمصر.
وقال ابن عبد الحكم : حدّثني شيخ من أهل مصر ، قال : كان ذو القرنين من أهل لوبية (٥) ، كورة من كور مصر الغربيّة. قال ابن لهيعة : وأهلها روم.
وأخرج ابن عبد الحكم أيضا عن محمد بن إسحاق ، قال : حدّثني من يسوق الحديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه ، أنّ ذا القرنين رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبة اليونانيّ ، من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه الصلاة والسلام.
__________________
(١) لعلّ الصواب : فقال فرعون.
(٢) في مرآة الزمان ١ / ٢٦١ : لقمان بن عاد بن عاديا.
(٣) اختلف في اسم الخضر ، وهناك عدة منها. [انظر مرآة الزمان : ١ / ٤٥٦].
(٤) انظر الاختلاف في اسمه في مرآة الزمان ١ / ٣٢١.
(٥) لوبية : ليبيا.