وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتّكرور (١) ، ولمّا حججت شربت من ماء زمزم ، لأمور ؛ منها أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقينيّ ، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر.
وأفتيت من مستهلّ سنة إحدى وسبعين وثمانمائة.
وعقدت إملاء الحديث من مستهلّ سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة.
ورزقت التبحّر في سبعة علوم : التفسير ، والحديث ، والفقه ، والنحو ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ؛ على طريقة العرب والبلغاء ، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. والذي أعتقده أنّ الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنّقول الّتي اطّلعت عليها فيها ، لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي ؛ فضلا عمّن هو دونهم ، وأمّا الفقه فلا أقول ذلك فيه ؛ بل شيخي فيه أوسع نظرا ، وأطول باعا ؛ ودون هذه السبعة في المعرفة : أصول الفقه والجدل والتصريف ، ودونها الإنشاء والتوسّل والفرائض ، ودونها القراءات ، ولم آخذها عن شيخ ، ودونها الطبّ ، وأمّا علم الحساب فهو أعسر شيء عليّ وأبعده عن ذهني ؛ وإذا نظرت في مسألة تتعلّق به ، فكأنّما أحاول جبلا أحمله.
وقد كملت عندي الآن آلات الجهاد بحمد الله تعالى ؛ أقول ذلك تحدّثا بنعمة الله تعالى لا فخرا ؛ وأيّ شيء في الدنيا حتّى يطلب تحصيلها بالفخر ، وقد أزف الرحيل ، وبدا الشيب ، وذهب أطيب العمر! ولو شئت أن أكتب في كلّ مسألة مصنّفا بأقوالها وأدلّتها النقليّة والقياسية ، ومداركها ونقوضها وأجوبتها ، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله ، لا بحولي ولا بقوّتي ، فلا حول ولا قوّة إلا بالله ، ما شاء الله ، لا قوّة إلا بالله.
وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئا في علم المنطق ، ثمّ ألقى الله كراهته في قلبي. وسمعت أنّ ابن الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك ، فعوّضني الله تعالى عنه علم الحديث الذي هو أشرف العلوم.
وأما مشايخي في الرواية سماعا وإجازة فكثير ؛ أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه ، وعدّتهم نحو مائة وخمسين ؛ ولم أكثر من سماع الرواية لاشتغالي بما هو أهمّ وهو قراءة الدراية.
__________________
(١) التكرور : بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب. [معجم البلدان].