الرّحمة ، ورأى جبلا من جبالها مكسوّا نورا ، لا يخلو من نظر الربّ إليه بالرّحمة ، في سفحه أشجار مثمرة ، فروعها في الجنّة ، تسقى بماء الرّحمة. فدعا آدم في النيل بالبركة ، ودعا في مصر بالرّحمة والبرّ والتقوى ، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرّات ، وقال : يا أيّها الجبل المرحوم ، سفحك جنّة ، وتربتك مسك ، يدفن فيها غراس الجنّة ، أرض حافظة مطيعة رحيمة ، لا خلتك يا مصر بركة ، ولا زال بك حفظ ، ولا زال منك ملك وعزّ. يا أرض فيك الخباء والكنوز ، ولك البرّ والثروة ، سال نهرك عسلا ، كثّر الله زرعك ، ودرّ ضرعك ، وزكّى نباتك ، وعظمت بركتك وخصبت ؛ ولا زال فيك الخير ما لم تتجبّري وتتكبّري ، أو تخوني وتسخري ، فإذا فعلت ذلك عراك شرّ ، ثمّ يعود خيرك.
فكان آدم أوّل من دعا لمصر بالرحمة والخصب والبركة والرأفة.
وأورد غيره عن عبد الله بن سلام ، قال : مصر أمّ البركات ، تعمّ بركتها من حجّ بيت الله الحرام من أهل المشرق والمغرب ، وإنّ الله يوحي إلى نيلها في كلّ عام مرّتين ؛ مرة عند جريانه ، فيوحي إليه : إنّ الله يأمرك أن تجري كما تؤمر ، ثم يوحي إليه ثانية : إنّ الله يأمرك أن تفيض حميدا ، فيفيض. وإن بلد مصر بلد معافاة ، وأهلها أهل عافية ، وهي آمنة ممّن يقصدها بسوء ، من أرادها بسوء كبّه الله على وجهه ، ونهرها نهر العسل ، ومادّته من الجنّة ، وكفى بالعسل طعاما وشرابا.
وأورد عن عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه ، أنّه لما بعث (١) محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر ، قال : إني وجّهتك إلى فردوس الدنيا.
وعن سعيد بن هلال ، قال : اسم مصر في الكتب السّالفة أمّ البلاد. وذكر أنّها مصوّرة في كتب الأوائل ، وسائر المدن مادّة أيديها إليها تستطعمها.
وعن كعب قال : في التوراة مكتوب : مصر خزائن الأرض كلّها ، فمن أراد بها سوءا قصمه الله.
وعن كعب قال : لولا رغبتي في بيت المقدس ما سكنت إلّا مصر. قيل : ولم؟ قال : لأنّها بلدة معافاة من الفتن ، ومن أرادها بسوء كبّه الله على وجهه ؛ وهو بلد مبارك لأهله فيه.
__________________
(١) أرسل عليّ بن أبي طالب محمد بن أبي بكر واليا على مصر سنة ٣٦ ه بعد عزله قيس بن سعد. [انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير : ٣ / ١٣٩].