طوال هذه الرحلة سنحت لى فرص كثيرة للوقوف على رأى أهل الملايو فى الحكومة الإنجليزية وفى تصرفات الإنجليز ، الذين يشغلون فى الوقت الحالى مناصب السادة بين أهل الملايو ، وقد اكتشف البريطانيون عداء أهل الملايو لهم عداء لدودا ، وأن أهل الملايو كانوا ناقمين تماما على سلوكيات البريطانيين وبخاصة شربهم للنبيذ ، فضلا عن أن الجنسين عند الإنجليز يختلطان ببعضهما البعض فى الاتصالات الاجتماعية ، ولم يوجه أحد منهم الاتهام إلى عدالة الحكومة التى كانوا يقارنونها بالقمع الذى يمارسه أمراؤهم الوطنيون ، وعلى الرغم من أن أهل الملايو كانوا يطلقون الكنى والنعوت نفسها على البريطانيين التى يطلقها المسلمون المتشددون فى كل مكان على الأوروبيين ، فإنهم لم ينسوا أن يضيفوا : «ومع ذلك فإن حكمهم طيب». ولقد استرقت السمع إلى كثير من هذه الحوارات ، التى كانت تدور بين الهنود فى كل من جدة ومكة ، والتى كانت تدور أيضا بين البحارة العرب الذين يتجرون مع بومباى وسورات ، وكان فحوى هذا الأمر كله يتمثل فى كراهية المسلمين للإنجليز ، على الرغم من أنهم يحبون أسلوبهم فى الحكم.
غادرنا مكان التوقف لنيل قسط من الراحة عند الساعة العاشرة مساء ، ورحنا نواصل المسير عبر سهل قارة ، فى اتجاه الشمال ٤٠ غرب. وبعد انقضاء ثلاث ساعات مررنا بمبنى مهدم كان يستخدم من قبل فى تزويد المسافرين بالماء. لم أر تلالا فى اتجاه الغرب ، على مدد شوفى. السهل فى هذه المنطقة عامر بالأشجار الكبيرة والأعشاب الكثيفة. واصلنا المسير عبر السهل طيلة ست ساعات ، إلى أن وصلنا إلى نهاية هذا السهل ، وهنا يبدأ السهل فى الصعود المتدرج نحو واد غابى متسع ؛ فى هذا الوادى الغابى توجد بئر يسمونها بئر عصفان ، وهى بئر كبيرة وعميقة ، مبطنة بالحجر ، ينساب فيها ينبوع من الماء الطيب عند قاعها ، وهذه البئر محطة من محطات الحج. هنا طريق آخر يمتد من وادى فاطمة إلى عصفان ، إلى مسافة أربعة أميال فى اتجاه الشرق. مررنا بتلك البئر دون توقف ، وهنا نجد أن السمهودى ، مؤرخ المدينة (المنورة) يأتى على ذكر قرية فى عصفان ، فيها عين ماء يطلقون عليها اسم عوله ؛