لينبهنا إلى وجوده (سبحانه وتعالى) ، ومع ذلك ، فنحن غير مدركين لتفاهتنا ، ونحس كأننا لا نستحق رحمة الله ، ومن ثم نظن أن من الأفضل نكران تلك الرحمة ، فى الوقت الراهن ، ومن ثم نهرب منها» : هذا الجدل سمعته يتكرر مرارا. لو كنت بكامل قوتى ، لكنت قد حذوت ، وبلا أدنى شك ، حذو أولئك الذين فروا إلى الصحراء ، لكنى كنت أعانى وهنا شديدا وغير قادر على القيام بأى مجهود مهما كان صغيرا. خطر ببالى أنى ربما استطعت الهرب من ذلك المرض ، إذا ما عزلت نفسى داخل سكنى ، وزاد فى داخلى أمل الشوق إلى السفر سريعا إلى مصر ، ومع ذلك ، فقد خدعت فى ذلك الأمل. خطر ببالى أن تقديم بعض الهدايا القليلة ، مع شىء من الرشوة ، قد يمكننى من العثور على وسيلة تساعدنى على الإبحار بشكل أو بآخر ، لكن اتضح أن السفن التى كانت على وشك الإبحار كانت مزدحمة بالمسافرين ، وعامرة بالجنود المرضى ، الأمر الذى يجعل من البقاء فى المدينة الموبوءة أفضل من السفر على هذا النحو. بعد ذلك بأيام قلائل ، بلغنى أن قاربا صغيرا مفتوحا ، خال من الجنود ، كان على وشك الإبحار إلى القصير ، وعلى الفور وافقت على الإبحار على ظهره ؛ لكن إبحار ذلك القارب كان يتأخر من يوم إلى آخر ، إلى أن جاء اليوم الخامس عشر من شهر مايو ، الذى غادرت فيه ينبع بصفة نهائية ، بعد ثمانية عشر يوما أمضيتها فى ذلك البلد (ينبع) وسط وباء الطاعون.
ربما كان حالى الصحى السيئ ، والحمى المستمرة التى تملكتنى ، وكنت أؤدى عملى وأنا أعانى منها ، ربما كان ذلك سببا كافيا لبقائى على قيد الحياة ؛ والسبب فى ذلك ، أنى على الرغم من حرصى الشديد ، كنت معرضا للعدوى فى كثير من الأحيان. كان شارع ينبع الرئيسى عامرا بالمرضى ، الذين يعانون من سكرات الموت ، ويسألون الناس إحسانا ؛ فى فناء الخان الذى كنت أنزل فيه ، كان هناك رجل عربى يعانى من سكرات الموت ، وكان صاحب الوكالة ، أو بالأحرى الخان ، هو الآخر قد توفيت أخته وابن من أبنائه ، وراح يحكى لى وهو جالس على السجادة كيف توفى ولده فى الليلة السابقة بين ذراعية. كان حرص عبدى قد فاق احتياطاتى كلها إلى حد بعيد ، وبعد أن افتقدت ذلك العبد لأيام عدة ، رحت أتساءل ذات صباح عن أسباب تغيب ذلك