من هذه السلع. عند ما وصلت المدينة المنورة ، أول مرة ، لم يكن فى السوق أى شىء من الزبد ، وكان سعر القمح أعلى بنسبة خمسين فى المائة عنه فى ينبع ، ثم يختفى القمح بعد ذلك تماما من السوق ، وفى مرة أخرى اختفى الملح من السوق ، ثم حدث الشىء نفسه مع الفحم النباتى ، واختل نظام سوق التموينات اختلالا كبيرا. فى بعض المدن الشرقية الأخرى ، التى من قبيل مكة وجدة ، يجرى تعيين موظف عام ، يسمونه المحتسب ومهمته مراقبة عملية بيع التموينات ؛ مهمة هذا المحتسب تتمثل فى منع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وإلزام التجار بحدود قصوى لا يتعدونها ، وبذلك يحصلون على ربح معقول وليس ربحا مبالغا فيه. لكن هذا ليس هو الحال السائد فى المدينة المنورة ، نظرا لأن المحتسب لا سلطة له فى هذه المدينة. لذا فإن القمح على سبيل المثال يباع فى بعض ضواحى المدينة المنورة بسعر أعلى عشرين فى المائة عنه فى الضواحى الأخرى ، وهذا الشىء نفسه ينطبق على كثير من السلع الأخرى ، الأمر الذى يتسبب فى معاناة الكثيرين جراء عدم معرفتهم لطبيعة الأمور فى المدينة المنورة ، طوال مقامى فى المدينة المنورة كان الاتصال بينها وبين ينبع عن طريق قافلة قوامها حوالى مائة وخمسين جملا ، كانت تصل إلى المدينة المنورة كل أسبوعين ، كما كانت هناك جماعات صغيرة من التجار البدو ، قوام الواحدة منها يتردد بين خمسة جمال وعشرة جمال ، كانت تصل إلى المدينة المنورة كل خمسة أيام أو ستة. كان القسم الأكبر من حمولة تلك القافلة خاصا بجيش طوسون باشا ، أما القسم الآخر فكان مخصصا للتجارة والسلع التموينية ، التى لم تكن كافية لتلبية احتياجات المدينة كلها. وقد أبلغنى شخص مطلع ، أن استهلاك المدينة المنورة من القمح فى اليوم الواحد يتردد بين ثلاثين إردبا وأربعين إردبا ، أى ما يعادل حمولة ما يتردد بين خمسة وعشرين جملا حجازيا وخمسة وثلاثين. ويقال إن إنتاج الحقول المحيطة بالمدينة المنورة ، من القمح لا يكفى سوى استهلاك أربعة أشهر ، أما الجزء المتبقى فيمكن الحصول عليه من ينبع أو عن طريق الاستيراد من مصر. يتوفر القمح فى زمن السلم ، لكن بعد تمركز الجيش التركى مؤخرا فى هذه المنطقة ، بدأ البدو يتخوفون من وضع زمام إبلهم فى أيدى الأتراك ، الأمر الذى أدى إلى انخفاض التوريد إلى أدنى مستوياته.