يلجأ هؤلاء الحجاج إلى ترك أمتعتهم الثقيلة على الشاطئ. يزاد على ذلك أن التجار السوريين الذين يرافقون القافلة الكبيرة نادرا ما يلجأون إلى الاتجار ، اللهم إلا باستثناء بعض أحمال الإبل من التبغ والفاكهة المجففة. هذا يعنى أن تجارة المدينة المنورة مقصورة على الاستهلاك المحلى ، وإمداد البدو المجاورين لها بالملابس والسلع التموينية. هذه الملابس هى والسلع الغذائية تصل عن طريق ينبع ولا تأتى إلا من مصر. لا يقيم أحد من التجار الكبار فى المدينة المنورة ؛ هذا يعنى أن التجارة هى تجارة تجزئة ليس إلا ، يزاد على ذلك أن هؤلاء الذين يملكون رؤوس الأموال ، إنما يستعملونها فى التجارة من سوريا ومصر ، اللتين لا يوجد بهما مؤسسات عامة مثل البنوك أو النقابات التجارية ، الأرصدة الوطنية ، التى يستطيع صاحب رأس المال ، أن يجنى منها فائدة على أمواله. القانون التركى يحرم تحريما شديدا مسألة الفائدة على الأموال ، وحتى إن توافرت مثل هذه المؤسسات ، فلن تكون هناك الحكومة أو تلك الفئة من الناس التى يمكن أن يعهد الناس إليهم بأموالهم الكثيرة ، يزاد على ذلك أن استثمار رأس المال فى الأراضى والعقارات تكتنفه مخاطر كثيرة. (*) والطريقة المعتادة هنا هى الدخول فى مشاركة مع مختلف صغار التجار أو إن شئت فقل : تجار التجزئة ، والحصول منهم على جزء من حصتهم وأرباحهم ، لكن هذا النظام يسبب كثيرا من القلق باعتباره
__________________
(*) بناء على المرسوم الذى أصدره محمد على باشا فى عام ١٨١٣ م ، أصبحت مسألة شراء الأرض فى مصر أمرا غير قابل للتنفيذ ؛ وسبب ذلك أن هذا المرسوم يحتم على الملتزمين (ملاك الأراضى الذين يشاركون فى امتلاك القرى والأراضى والذين كانوا يكونون طبقة تعيش على العائدات التى يحصلون عليها من هذه الأراضى) الحصول على دخولهم السنوية من أراضيهم عن طريق خزانة الباشا. هؤلاء الملتزمين عانوا معاناة شديدة من مختلف أنواع الظلم والإذلال ، وصدر إعلان باعتبار الأراضى كلها ملكا للحكومة ، أو بالأحرى ملكا لمحمد على نفسه ، الذى يعطى الأرض للفلاحين لزراعتها بشروطه الخاصة. حدث مؤخرا أن جرى حرمان الفلاحين الذين كانوا يزرعون خمسة آلاف فدان فى قرية دامكور القريبة من القاهرة من عقود الإيجار الخاصة بالأراضى التى أعلن أنها أصبحت ملكية عامة ؛ نظرا لأن الباشا أراد أن يزرع فيها برسيما لخيوله. ملكية الأرض فى سوريا أيضا تخضع مالكها لكثير من المضايقات ؛ فهو يتعرض للعسف من جانب حاكم المنطقة ومن جانب الجنود الذين يمرون عليها ، ومالك الأرض يعانى أيضا من جور الباشوات على مستحقاته ، وبخاصة أن هؤلاء الباشوات يجورون على الفلاحين أكثر من الملتزمين ، والملتزم إذا لم يراقب الفلاحين ، يجرى تجريده من أرباحه كلها.