يعرف أخبار سيف الدولة قال : كنا مجتمعين يوما في دهليز سيف الدولة ، وجماعة من الشعراء والشيوخ المتقدمين ، كأبي العباس النامي ، وأبي بكر الصنوبري ، ومن النشء اللاحقين كأبي الفرح الببغاء ، والخالديين ، والسري ، فتذاكروا الشعر ، وأنشدت قصيدة المتنبي التي أولها :
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا
فاستحسن الجماعة قوله في إعظام الربع :
نزلنا عن الاكوار نمشي كرامة |
|
لمن بان عنه أن نلم به ركبا (١) |
فقال السري : لو لا أنكم إذا سمعتم ما قلته بعد هذا ، ادعيتم أنني سرقته منه لأمسكت ، وأنشد قصيدة لاميّة قال فيها :
نحفى وننزل وهو أعظم حرمة |
|
من أن يدال (٢) براكب أو ناعل |
فحكم الجماعة له بالزيادة في قوله : نحفى وننزل.
قرأت في كتاب لوامع الأمور ، تأليف أبي اسحاق ابراهيم بن حبيب السقطي ، صاحب كتاب الرديف قال في حوادث سنة أربع وأربعين وثمانمائة : وفيها مات السري ابن أحمد الرفاء الكندي ، من أهل الموصل الشاعر ، جيد الشعر ، جيد المعاني له ديباجة (٢٣٠ ـ و) تستحلى ، فصيح مطبوع ، ذو أوصاف أعجزت غيره من أهل عصره ، أن يأتي بمثلها ، وكان رائق الشعر حسنه ، كثير التقلب في بديع التشبيهات والمعاني.
وهذا وهم في وفاته ، فإنه قدم على سيف الدولة في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة ، وجدته كذلك في نسخة قديمة من ديوان شعره ، وبقي مدة في باب سيف الدولة ، وخرج بعد ذلك الى بغداد ، ومدح بعد ذلك الوزير المهلبي ، وتوفي في أيام الوزير أبي الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، والصحيح في وفاته ، أنه توفي سنة اثنتين وستين وثلاثمائة ، كذا وقع إلي في بعض تعليقاتي.
__________________
(١) ديوان المتنبي : ٣٥.
(٢) ذل : صار له ذيل ـ القاموس.