أبو القاسم بن حبيب المفسر قال : سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن المروزي يقول : سمعت يعقوب بن نصر الفسوي يقول : سمعت سالما خادم ذي النون المصري يقول : بينا أنا أسير مع ذي النون في جبل لبنان ، إذ قال لي : مكانك يا سالم (٢١٤ ـ و) لا تبرح حتى أعود إليك ، فغاب عني ثلاثة أيام ، وأنا أنقمش من نبات الأرض وبقولها ، وأشرب من غدر الماء ثم عاد بعد ثلاث متغير اللون خاثرا (١) ، فلما أتى ثابت إليه نفسه ، فقلت له : أين كنت؟ فقال : إني دخلت كهفا من كهوف الجبل ، فرأيت رجلا أغبر أشعث نحيفا نحيلا ، كأنما أخرج من حفرته ، وهو يصلي ، فلما قضى صلاته سلمت عليه ، فرد علي وقام إلى الصلاة ، فما زال يركع ويسجد حتى قرب العصر فصلى العصر ، واستند إلى حجر بحذاء المحراب يسبح ، فقلت له : رحمك الله توصيني بشيء ، أو تدعو لي بدعوة ، فقال يا بني أنسك الله بقربه وسكت ، فقلت : زدني ، فقال : يا بني من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال : عزا من غير عشيرة ، وعلما من غير طلب ، وغناء من غير مال ، وأنسا من غير جماعه. ثم شهق شهقة فلم يفق إلى الغد ، حتى توهمت أنه ميت ، ثم أفاق فقام وتوضأ ثم قال : يا بني كم فاتني من الصلوات؟ قلت : ثلاث ، فقضاها ، ثم قال ، إن ذكر الحبيب هيج شوقي ، وأزال عقلي قلت : إني راجع فزدني ، قال : حبّ مولاك ولا ترد بحبه بدلا فإن المحبين لله هم تيجان العباد وزين العباد ، ثم صرخ صرخة فحركته فإذا هو ميت ، فما كان إلّا بعد هنيهة إذا بجماعة من العباد منحدرين من الجبل ، فصلوا عليه ، وواروه فقلت : ما أسم هذا الشيخ؟ قالوا : شيبان المجنون.
قال سالم : فسألت أهل الشام عنه فقالوا : كان مجنونا هرب من أذى الصبيان ، قلت : فهل تعرفون من كلامه شيئا؟ قالوا : نعم (٢١٤ ـ ظ) كلمة ، كان إذا خرج إلى الصحارى يقول : فإذا لم أجنّ بإلهي فبمن ، وربما قال : فإذا لم أجنّ بك ربي فبمن (٢).
__________________
(١) خثرت نفسه : غثت وأخلطت ، وتركه خاثرا : يضرب للمتحير المتردد.
القاموس.
(٢) انظر عقلاء المجانين لابي القاسم الحسن بن محمد حبيب النيسابوري ـ ط.
بيروت. دار الكتب العلمية : ١٠٦ ـ ١٠٧.