مملكته ، وكان لا يبقي على مفسد ، وأوصى ولاته بأهل حران وعماله ، ونهى عن الكلف والمغارم والسخر والتثقيل على الرعية ، وأقام الحدود في بلاده رضي الله عنه ، هذا ما حكاه أبو المحاسن عنه.
وسمعت من جماعة من فلاحي حلب أنه كان عليهم منه جور وظلم في أيام ولايته ، وأكثر ما كان يذكر عنه من الظلم ما يلزم الناس به من جمع الرجّالة للقتال والحصار ، فإن كان ذلك في جهاد الكفار ، فقد كان يجب عليهم ذلك ، وله إلزامهم به ، وبلغني أنه كان لا يتجاسر أحد من رعيته كائنا من كان أن يظلم أحدا من خلق الله ، ويقول : لا يتفق ظالمان يعني نفسه وغيره.
وبلغي أن أتابك زنكي تزوج خاتون بنت الملك رضوان وبنى بها في دير الزبيب خارج مدينة حلب ، وكان إذ ذاك فيه بقايا عمارة ودامت معه بحلب (٢١١ ـ ظ) الى أن دخل يوما الى الخزانة بحلب ليعتبر ما فيها ، فرأى الكبر الذي كان على أبيه آق سنقر حين أسره تاج الدولة تتش وقتله بين يديه صبرا ، وهو ملوث بالدم ، فقيل له : هذا كبر أبيك الذي قتل فيه ، فانزعج لذلك وأخذه بيده ، ودخل على زوجته بنت الملك رضوان ، وألقى الكبر بين يديها وهو مضمخ بالدم وقال لها : أما هذا فعل من لا رحمه الله ، يعني جدها تاج الدولة تتش؟ ثم هجرها من ذلك اليوم ، وانقطع عن الدخول اليها ، ودام على ذلك.
فحدثني عمي أبو غانم عن أبيه أبي الفضل قال : كان أتابك زنكي متزوجا بنت الملك رضوان فهجرها ، وبقي مهاجرا لها مدة من الزمان ، فجاءت الى والدي القاضي أبي غانم وهو قاضي حلب إذ ذاك وقالت له : أيها القاضي قد جئتك متمسكة بذيلك ، ومستجيرة بالشريعة المطهرة ، فإني مع أتابك لا أعلم حالي معه ، أمطلقة أم معلقة ، وأنا مهجورة من مدة طويلة ، فوعدها الاجتماع به في ذلك ، ثم صعد إليه الى القلعة ولقيه ، وهو راكب على الباب فقال له : يا مولاي ، قد جاءت إليّ خاتون (١) وذكرت لي كذا وكذا ، قال : فساق أتابك فرسه ولم يجبه بشيء ، قال : فأمسك والدي بلجام الدابة ومنعه من المسير ، وقال : يا مولاي هذه الشريعة المطهرة لا ينبغي الخروج
__________________
(١) قباء محشو يتخذ للحرب ، المعرب للخواليقي : ٢٥٢ ـ الحاشية (٢).