أخبرنا عبد الجليل بن أبي غالب ـ فيما أذن لنا في روايته عنه ، وقد سمعت منه غيره ـ قال : أخبرنا أبو المحاسن البرمكي قال : أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب ابن محمد بن اسحاق بن منده قال : أخبرنا أبي أبو عبد الله قال : زكريا بن يحيى الأنطاكي حدّث عن الهيثم بن جميل ، توفي سنة نيف وثمانين ومائتين.
قرأت في تاريخ مختار الملك المسبحي قال : سنة ثمانين ومائتين فيها مات أبو يحيى زكريا بن يحيى الأنطاكي. (١٩٩ ـ ظ).
زكرى المعدني :
من أهل المعدن ، رجل صالح من أولياء الله تعالى ، كان عندنا بحلب ، وكان كثير الصحبة لعمي ووالدي ، وكان يأنس بي ، وتظهر له كرامات كثيرة ويخرجها مخرج التباله ، واتخذ له كعاب غزلان مصبغة ، وجعلها في كيس ، وكان إذا أخبر بوقوع شيء يقول : أخبرتني الكعيبات ، وكان لازما للوقار ، ولا يخرج إلى ما يخالف به الشرع ، وإذا قرىء بحضرته شيء من أخبار الصالحين أو الرقائق ، غلب عليه الحال ، وتسبقه الدموع ، فيقوم من المجلس أو يشير الى القارئ ، بالسكوت ، وكان يخبرنا بأمور أنها تقع ، فتقع على ما أخبر به ، وكان رحمه الله محبوبا إلى الناس ، قريبا الى القلوب ، خفيف الروح ، وكان عمي أبو غانم يميل إليه ، ويعتقد فيه ، وكان له عادة في أن يخرج بأهله وأولاده ومن يعز عليه إلى صمّع الفوقا ، قرية من قرى حلب ، كان له فيها حصة في أيام البطيخ ، فطلبه عمي أن يخرج معه ، وسبقت الجماعة وخرجت والشيخ زكرى معي راكب على حمار ، فكنت معه في بعض الطريق فأنشد :
قلبي بحرّ سهام الدبس مجروح |
|
بين العصائد والاسمان مطروح |
قد قدموا السمن والأعسال في قدح |
|
القلب في قلق والدمع مسفوح |
ثم جعل يبكي بكاء شديدا ، حتى رق قلبي لكثرة بكائه ، ووصلنا إلى القرية وعمي بها وكان ولد عمي الأكبر أبو الفضل هبة الله قد تركناه ليخرج بعدنا بزوجته ، وهي أختي الكبرى ، فصلينا المغرب مع عمي ، وقام عمي لورده بين المغرب والعشاء (٢٠٠ ـ و) ، وجلست أنا وزكرى فأبطأ وصول النساء عنا ، فسلم عمي