من صنع الدرع داوود ، وإنما كانت صفائح ، فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين. وفي قوله تعالى : «وألنّا له الحديد (١) ، حتى صار عنده مثل الشمع ، فكان يأخذه بيده فيصير كأنه عجين ، فكان يعمل به شيئا من غير نار ولا قرع «أن اعمل سابغات (٢)» دروعا كوامل يجرها لابسها على الأرض وقال قتادة : «وقدر في السرد» نسيج الدرع والمعنى لا تجعل المسامير دقاقا فتقلق ولا غلاظا فتكسر الحلق ، وهذا قول جميع أهل التأويل.
أخبرنا أبو المحاسن قال : أخبرنا الجياني قال : أخبرنا عبد الجبار قال : أخبرنا الواحدي قال : أخبرنا سعيد بن العاص القرشي ـ فيما أجاز لي ـ قال : حدثنا العباس بن الفضل بن زكريا قال : أخبرنا أحمد بن أبي نجدة القرشي قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرني عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى : «وقدر في السرد» قال لا تدقق المسامير وتوسع الحلقة ، فتسلس ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلقة فتنقصم ، اجعله قدرا ، قال مقاتل ثم قال الله تعالى لآل داوود «اعملوا صالحا (٣) (٢٥٨ ـ ظ). قال ابن عباس : اشكروا الله بما هو أهله. وقال الواحدي في تأويل قوله تعالى : «واذكر عبدنا داوود (٤) ذا الأيد» لكي يتقوى على الصبر يذكر قوته على العبادة وهو قوله «ذا الأيد» ذا القوة على العبادة وفي طاعة الله.
قال الزجاج : وكانت قوة داوود على العبادة أتم قوة ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وذلك أشد الصوم ، وكان يصلي نصف الليل «إنه أواب» راجع ـ عما يكره الله الى ما يحب.
وقوله تعالى «وشددنا (٥) ملكه» قوينا ملكه بالحرس والجنود ، قال سعيد ابن جبير عن ابن عباس : كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل ، فإذا أصبح قيل ارجعوا فقد رضي عنكم نبي الله وهذا قول جماعة المفسرين.
__________________
(١) سورة سبأ ـ الآية : ١٠.
(٢) سورة المؤمنون ـ الآية : ٥١.
(٣) سورة ص ـ الآية : ١٧.
(٤) سورة ص ـ الآية : ٢٠.