فقرأ الحر الكتاب ثم ناوله الحسين ، وقال : لا بد من إنفاذ أمر الأمير عبيد الله بن زياد ، فانزل بهذا المكان ، ولا تجعل للأمير علي علّة ، فقال الحسين عليه السلام : تقدم بنا قليلا الى هذه القرية التي هي منا (٧٢ ـ ظ) على غلوة وهي الغاضرية (١) أو هذه الأخرى التي تسمى السقية ، فننزل في إحداهما ، قال الحر : إن الأمير كتب إلي أن أحلك على غير ماء ، ولا بد من الانتهاء الى أمره ، فقال زهير بن القين للحسين : بأبي وأمي يا بن رسول الله ، والله لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية ، فكيف بمن سيأتينا من غيرهم؟ فهلم نناجز هؤلاء ، فإن قتال هؤلاء أيسر علينا من قتال من يأتينا من غيرهم ، قال الحسين عليه السلام : فإني أكره أن أبدأهم بقتال حتى يبدأوا ، فقال له زهير : فهاهنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول (٢) حصينة ، الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد ، قال الحسين : وما اسم تلك القرية؟ قال العقر (٣) ، قال الحسين : نعوذ بالله من العقر ، فقال الحسين للحر : سر بنا قليلا ، ثم ننزل ، فسار معه حتى أتوا كربلاء ، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير ، وقال : انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب ، قال الحسين : وما اسم هذا المكان؟ قيل له : كربلاء ، قال : ذات كرب وبلاء ، ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره الى صفين ، وأنا معه ، فوقف ، فسأل عنه ، فأخبر باسمه ، فقال : هاهنا محط ركابهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ، فسئل عن ذلك ، فقال : ثقل لآل بيت محمد ، ينزلون ها هنا ، ثم أمر الحسين بأثقاله ، فحطّت بذلك المكان يوم الاربعاء غرّة المحرم من سنة إحدى وستين (٤) ، وقتل بعد ذلك بعشرة أيام ، وكان قتله يوم عاشوراء ، فلما كان اليوم الثاني من نزوله كربلاء وافاه عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس.
وكانت قصة خروج عمر بن سعد ، أن (٧٣ ـ و) عبيد الله بن زياد ولاه الري وثغر دستسبي (٥) والديلم ، وكتب له عهده عليها ، فعسكر للمسير إليها ، فحدث
__________________
(١) قرية قريبة من الكوفة.
(٢) عاقول النهر ما اعوج منه.
(٣) قرب كربلاء من نواحي الكوفة.
(٤) تشرين أول ٦٨٥ م.
(٥) كورة بين الري وهمذان. معجم البلدان.