حتى سبق اليه وجعل ذلك الجبل وراء ظهره ، وأقبلت الخيل ، وكانوا ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثم اليربوعي ، حتى اذا دنوا أمر الحسين عليه السلام فتيانه أن يستقبلوهم بالماء فشربوا ، وتغمرت خيلهم ، ثم جلسوا جميعا في ظل خيولهم وأعنتها في أيديهم حتى اذا حضر الظهر قال الحسين عليه السلام للحر أتصلّي معنا ، أو تصلي بأصحابك وأصلي بأصحابي؟ قال الحر : بل نصلي جميعا بصلاتك فتقدّم الحسين عليه السلام ، فصلى بهم جميعا ، فلما انفتل من صلاته حولّ وجهه إلى القوم ، ثم قال : أيها الناس ، معذرة إلى الله ، ثم اليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت عليّ رسلكم ، فإن أعطيتموني ما أطمئن به من عهودكم ومواثيقكم دخلنا معكم مصركم ، وإن تكن الأخرى انصرفت من حيث جئت فأسكت القوم ، فلم يردّوا عليه شيئا حتى إذا جاء وقت العصر نادى مؤذّن الحسين ، ثم أقام ، وتقدم الحسين عليه السلام فصلى بالفريقين ثم انفتل اليهم ، فأعاد مثل القول الأول.
فقال الحر بن يزيد : والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ، فقال الحسين عليه السلام : ائتني بالخرجين اللذين فيهما كتبهم (٧١ ـ ظ) فأتي بخرجين مملوءين كتبا ، فنثرت بين يدي الحر وأصحابه ، فقال له الحر : يا هذا ، لسنا ممن كتب إليك شيئا من هذه الكتب ، وقد أمرنا أن لا نفارك اذا لقيناك أو نقدم بك الكوفة على الأمير عبيد الله بن زياد ، فقال الحسين عليه السلام : الموت دون ذلك ، ثم أمر بأثقاله ، فحملت ، وأمر أصحابه ، فركبوا ، ثم ولى وجهه منصرفا نحو الحجاز ، فحال القوم بينه وبين ذلك ، فقال الحسين للحر : ما الذي تريد؟ قال : أريد والله أن أنطلق بك الى الامير عبيد الله بن زياد ، قال الحسين : إذن والله أنا بذاك الحرب ، فلما كثر الجدال بينهما قال الحر : إني لم أؤمر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك ، وقد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك ، وهو أن تجعل بيني وبينك طريقا ، لا تدخلك الكوفة ، ولا تردك الى الحجاز ، تكون نصفا بيني وبينك حتى يأتينا رأي الأمير ، قال الحسين : فخذ هاهنا ، وآخذ متياسرا من طريق العذيب (١) ، ومن ذلك المكان الى العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، فسارا جميعا حتى انتهوا الى عذيب الحمامات ، فنزلوا حتى انتهوا الى عذيب الحمامات ، فنزلوا جميعا ، وكل فريق منهما على غلوة (٢) من الآخر.
__________________
(١) العذيب ماء قرب القادسية ، بينه وبينها اربعة أميال.
(٢) أي قدر رمية سهم.