ولم يزل حتى ردني الى مكاني ، ثم توضأ ووقف يصلي ؛ قال : وذكر لي من أحواله الحسنة أشياء يطول ذكرها (١).
سمعت شيخنا الصاحب قاضي القضاة بهاء الدين أبا المحاسن يوسف بن رافع ابن تميم ، يقول : كان البرسقي دينا عادلا قال : ومما يؤثر عنه أنه قال يوما لقاضي الموصل ، أظنه المرتضى بن الشهرزوري ، أريد أن تساوي بين الرفيع والوضيع في مجلس الحكم ، وأن لا يختص أولو الهيئات والمراتب بزيادة احترام في مجلس الحكم ، فقال له القاضي : وكيف لي بذلك؟ فقال : ما لهذا طريق إلا أن ترتاد خصما يخاصمني في قضية ويدعوني الى مجلس الحكم ، وأحضر إليك وتلتزم معي ما تلتزمه مع خصمي ، وسوف أرسل إليك خصما لا تشك في أنه خصم لي ، ويدعي علي بدعوى ، فادعني حينئذ الى مجلس الحكم لأحضر إليك ، وجاء الى زوجته الخاتون ابنة السلطان محمود ـ فيما أظن ـ وقال لها وكلي وكيلا يطالبني بصداقك ، فوكلت وكيلا ، ومضى الوكيل الى مجلس الحكم ، وقال : لي خصومة مع قسيم الدولة البرسقي وأطلب حضوره الى مجلس الحكم ، فسير القاضي إليه ودعاه فأجاب وحضر مجلس (٢٧٦ ـ ظ) الحكم ، فلم يقم له القاضي ، وساوى بينه وبين خصمه في ترك القيام والاحترام ، وأدعى عليه الوكيل وأثبت الوكالة ، واعترف البرسقي بالصداق ، فأمره القاضي بدفعه إليه فأخذه ، وقام الى خزانته ودفع إليه الصداق ، ثم انه أمر القاضي أن يتخذ مسمارا على باب داره يختم عليه بشمعه ، وعلى المسمار منقوش أجب داعي الله ، وأنه من كان له خصم حضر ، وختم بشمعه على ذلك المسمار ويمضي بالشمعة المختومة الى خصمه كائنا من كان ولا يجسر أحد على التخلف عن مجلس الحكم.
قرأت بخط الحافظ أبي الطاهر السلفي : وسنقر البرسقي ولي العراق سنين ، وبلغ مبلغا عظيما ، ثم وني ديار مضر ودار ملكه الموصل ، ثم حلب ، وكثيرا من مدن الشام ، وجاهد الأفرنج ، ثم قتله بعض الملاحدة (٢) ، لعنهم الله ، وكان سيفا
__________________
(١) الكامل لابن الاثير : / ٣٢٠.
(٢) اتباع الدعوة الاسماعيلية الجديدة التي أسسها حسن الصباح ، وعرفوا بهذا الاسم في المشرق وباسم الحشيشية في بلاد الشام.