قال إمام المسلمين في عصره أبو عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه في جواب من سأله عن كيفية الاستواء : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأظنك زنديقا ، أخرجوه من المسجد.
ويشهد أن الله سبحانه وتعالى موصوف بصفاته العلى التي وصف نفسه بها في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ، لا ينفي شيئا منها ، ولا يعتقد شبها لها بصفات خلقه بل يقول : إن صفاته لا تشبه صفات المربوبين ، كما لا تشبه ذاته ذوات المحدثين ، تعالى الله عما تقول المعطلة والمشبهة علوا كبيرا ، ونسلك في الآيات التي وردت في ذكر صفات الباري جل جلاله ، والأخبار التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بابها ، كآيات مجيء الرب يوم القيامة ، وإتيان الله في ظلل من الغمام ، وخلق آدم بيده ، واستوائه على عرشه ، وكأخبار نزوله كل ليلة الى السماء الدنيا ، والضحك والنجوى ، ووضع الكنف (١) على من يناجيه يوم القيامة وغيرها مسلك السلف الصالحين ، وأئمة الدين من قبولها وروايتها على وجهها بعد صحة سندها ، وإبرازها على ظاهرها والتصديق بها ، والتسليم لها ، واتقاء اعتقاد التكييف والتشبيه فيها ، واجتناب ما يودي الى القول بردها ، وترك قبولها أو تحريفها بتأويل مستنكر مستكره ، ولم ينزل الله به سلطانا ، ولم يجر به للصحابة والتابعين والسلف الصالحين لسانا (١٠٨ ـ و) وينهى في الجملة عن الخوض في الكلام والتعمق فيه ، والاشتغال بما كره السلف رحمهم الله الاشتغال به ونهوا وزجروا عنه ، فإن الجدال فيه والتعمق في دقائقه والتخبط في ظلماته كل ذلك يفسد القلب ، ويسقط منه هيبة الرب جل جلاله ، ويوقع الشبة الكثيرة فيه ، ويسلب البركة في الحال ، ويهدي الى الباطل والمحال والخصومة في الدين والجدال ، وكثرة القيل والقال في الرب ذي الجلال الكبير المتعال ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا (٢) ، والحمد لله على ما هدانا من دينه وسنة نبيه صلوات الله عليه حمدا كثيرا ، ويشهد أن القيامة حق ، وكل ما ورد به الكتاب أو الأخبار الصحاح من أشراطها وأهوالها ما وعدنا وأوعدنا به
__________________
(١) الكنف : الحرز والستر. القاموس.
(٢) انظر سورة الاسراء ـ الآية : ٤٣.