من بني كلاب أنه لم ير مثله في الشجاعة والمكر والحيلة ، وكان اذا ركب معز الدولة قفز اليه ليمسك له الركاب ويصلح ثيابه في السرج ، وهمت بنو كلاب بأخذه فمنعها معز الدولة ، وندم بعد ذلك عليه ، ثم انه تقدم الى أن حصل على الفرات ، وفزع منه معز الدولة وكثر عسكره ، فسلم اليه الرحبة لما طلبها من معز الدولة ، ليجعل فيها ماله وأهله.
قلت : وكان حصوله على الفرات بأرض بالس فإنني قرأت في بعض تعاليق الشاميين في التاريخ ما صورته : ظهور البساسيري الى الشام ، ونزوله أرض بالس مدة سنة وشهرين ، سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وقرأت في تاريخ همام بن المهذب في حوادث (١٩٧ ـ و) سنة خمسين وأربعمائة فيها : اضطرب الأمر في خراسان على طغرلبك (١) ، فسار لإصلاحه ، فجمع البساسيري من قدر عليه من الكرد والديلم ، واجتمعت اليه بنو عقيل ، وكان علم الدين قريش بن بدران زعيمها ، وبنو أسد زعيمها نور الدولة دبيس بن مزيد ، وقصد بغداد ، وزحف معهم أهل الجانب الغربي من بغداد الى دار الخليفة القائم بأمر الله أمير المؤمنين أبي جعفر بن القادر ، فنهبوا جميع ما فيها ، واستدعى الخليفة من فوق القصر علم الدين قريش بن بدران ، فجاءه فخرج اليه الخليفة وهو مبرقع ، وعليه بردة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي يده قضيبه ، فأجاره ولم يمكن منه أحدا ، ومنعه من البساسيري ، وسيره الى حصن عانه ، وقيل : الحديثة وهو حصن منيع في وسط الفرات ، وصاحبه رجل يعرف بمهارش ، أحد أمراء بني عقيل ، فأكرمه إكراما عظيما ، وخدمه خدمة مرضية ، فبقي فيه عند مهارش شهورا.
قال ابن المهذب : وفيها : ـ يعني سنة احدى وخمسين ـ دعا البساسيري للمستنصر صاحب مصر في جامع المنصور ببغداد ، وبقيت الدعوة شهورا.
وفيها : عاد طغر لبك ملك التركمان أبو طالب محمد بن ميكال الى بغداد ، فانحاز البساسيري وجماعته العرب ، وخرج معهم من التجار ببغداد وغيرهم خلق
__________________
(١) يريد بذلك ثورة أخيه لامه ضده ابراهيم ينال. مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية : ١١٥ ـ ١١٦.