ذكر لي ذلك شيخنا عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي وقال إن أصحابنا المقادسة الذين رحلوا دخلوا كلهم حلب ، وكان قد تصدر بحمص لإفادة علم الحديث والفقه ، ورتب له الملك المجاهد شيركوه صاحبها بها معلوما ، وحدث بها وبغيرها من البلاد ، وروى عنه أخوه الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد ابن أحمد ، وذكر له ترجمة في جزء جمع فيه أخبار المقادسة ودخولهم الى دمشق وقع إلي بخطه فنقلت ما ذكره على قضه نقلا من خطه ، وقد أجاز لي رواية ذلك مع غيره.
أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد وقال ـ ونقلته من خطه ـ : أحمد (٢٣٩ ظ) بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن اسماعيل بن منصور ، أبو العباس أخي ، يعرف بالبخاري ، وهو ممن يشتغل بالعلم من صغره الى كبره ، وبرز على أقرانه ، ودخل خراسان ، وغزنه (١) ، وما وراء النهر ، وأقام مدة ببخارى ، ولحق الرضي النيسابوري ، وعلق عليه الخلاف ، وكان قبل ذلك قد اشتغل ببغداد على أبي الفتح بن المني رحمه الله ، وسمع الحديث الكثير بدمشق ، وبغداد ، وواسط ، وهمذان ، ونيسابور ، وهراة ، وبخارى ، فسمع بدمشق أبا المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر ، وأبا الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز الأزدي المعروف بابن أبي العجائز ، وأبا المجد الفضل بن الحسين بن البانياسي ، وأبا طالب الخضر بن هبة الله بن طاوس ، وعبد الرزاق النجار ، ومحمد بن علي البحراني ، وغيرهم ، وببغداد سمع أبا الفتح عبيد الله بن عبد الله بن شاتيل ، وعبد المغيث بن زهير ، وأبا السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزاز ، وغيرهم ، وبنيسابور أبا البركات عبد المنعم الفراوي ، وخلقا كثيرا يطول ذكرهم ، وأقام في سفره نحوا من أربع عشرة سنة ، ورجع الى وطنه ، ووجد أصحابنا به راحة عظيمة من قضاء حوائجهم عند السلاطين والحكام والولاة ، مع عفة ودين وأمانة ، وقل من رآه وعرفه إلا أحبه من قريب أو بعيد حتى أني سمعت من بعض من يخالفنا أنه قال (٢٤٠ و) لشخص : لم لا تكون مثل البخاري الذي يدخل حبه على القلب بغير استئذان.
__________________
(١) عاصمة الدولة الغزنوية هي من مدن أفغانستان حاليا.