وخرج المكتفي إلى الرقة وأنفذ عساكره مع محمد بن سليمان الأنباري ، وكان شهما شجاعا مدبرا ، فحصل في حلب في جيش فيه ثلاثون ألفا مرتزقة ، فيما ذكر غير واحد ، وكان جهير بن محمد يقول له : تخرج إليهم فقد أهلكوا عشيرتي ، فيقول له ابن الأنباري الكاتب : لو أخذوا بلحيتي ما خرجت إليهم حتى يهل هلال المحرم ، يريد سنة إحدى وتسعين.
قال أبو غالب (١٩٧ ـ ظ) بن المهذب : سنة إحدى وتسعين ، فيها : سار محمد ابن سليمان الكاتب الأنباري إلى القرامطة فأوقع بهم في قرية تعرف بالحسينية فقتلهم وبدد شملهم ، ولما تصور القرمطي ورأى أنه لا طاقة له بعساكر الخلافة هرب قبل الوقعة بأصحابه ، فحصل في قرية شرقي الرحبة تعرف بالدالية ، في نفر يسير من خواص أصحابه ، فتستروا بها ، وبعث بعض أصحابه متنكرا ليمتار لهم ما يحتاجون إليه ، فأخذ وأنكر ، وأتي به إلى رجل كان يتولى معونة الدالية يعرف بأبي خبزة لأحمد ابن محمد بن كشمرد والي الرقة ، وكان أبو خبزة صغير الشأن حقيرا في الجند ، فسأله أبو خبزة عن خبره وقصته ، فتبين منه قولا مختلفا ، فألح عليه أبو خبزة ، فأقر ذلك الرجل بأنه من رجال القرمطي ، ودل عليهم في أي موضع هم ، فخرج أبو خبزة فيمن جمعه من الأجناد الرجال إلى الموضع الذي فيه القرمطي وأصحابه فظفر بهم وبالقرمطي ، وكان معهم حملان من المال ، فأخذهم والمال معهم ، وحملهم إلى ابن كشمرد والي الرقة ، فأخذهم وكتب بخبرهم إلى المكتفي ، فبعث إليه من تسلمهم منه وأوردهم الرقة ، وانحدر المكتفي إلى مدينة السلام بغداد وهم معه ، فبنى لهم دكة عظيمة بظاهر القصر المعتضدي ، وعذبوا عليها بأنواع العذاب.
أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة (١٩٨ ـ و) قال : أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال : قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني