يشرب ذلك القدح وكان سكنجبين (١) ، فقال أبو العلاء مجيبا له عن يمينه :
أعبد الله خير من حياتي |
|
وطول ذمائها موت صريح |
تعلّلني لتشفيني فذرني |
|
لعلي أستريح وتستريح |
وكان مرضه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع ولم يكن عنده غير بني عمه ، فقال لهم في اليوم الثالث : اكتبوا فتناولوا الدوى والأقلام ، فأملى عليهم غير الصواب ، فقال القاضي أبو محمد : أحسن الله عزاءكم في الشيخ فإنه ميت ، فمات في غداة غد ، وإنما أخذ القاضي هذه المعرفة من ابن بطلان ، لأن ابن بطلان ـ كان يدخل على أبي العلاء ، ويعرف ذكاءه وفضله ، فقيل له قبل موته بأيام قلائل : إنه أملى شيئا فغلط فيه ، فقال ابن بطلان : مات أبو العلاء ، فقيل : وكيف عرفت ذلك فقال : هذا رجل (١٧٨ ظ) فطن ذكي ولم تجر عادته بأن يستمر عليه سهو ولا غلط ، فلما أخبرتموني بأنه غلط علمت أن عقله قد نقص ، وفكره قد انفسد (٢) ، وآلاته قد اضطربت ، فحكمت عليه عند ذلك بالموت والله أعلم.
قرأت بخط بعض البغداديين ، قيل : لما مات أبو العلاء المعري سامحه الله وقف على قبره سبعون شاعرا من أهل المعرة ، فأنشد كل منهم قصيدة يرثيه بها فقال بعضهم :
إن كنت لم ترق الدماء زهادة |
|
فلقد أرقت اليوم من عيني دما |
سيرت ذكرك في البلاد كأنّه |
|
مسك فسامعة تضمّخ أو فما |
وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة |
|
ذكراك أوجب فدية من أحرما |
__________________
(١) شراب من العسل والخل أو السكر والخل. مفيد العلوم ومبيد الهموم لابن الحشاء ـ ط. الرباط ١٩٤١ : ص ١٢١ (١١٢١).
(٢) كتب ابن العديم في الحاشية : «صوابه فسد وانما حكى رحمه الله لفظ ابن بطلان على صورته» وكان ابن بطلان طبيبا عراقيا قدم الى حلب وسبق أن نقل ابن العديم عنه في المجلدة الاولى.