عليه ، ويتردد لاجل الأدب إليه ، ولم يقبل لاحد هدية ولا صلة ، وكان له أربعة رجال من الكتاب المجودين في خزانته وجارية يكتبون عنه ما يرتجله ويمليه.
أنبأنا زيد بن الحسن الكندي قال : أنبأنا هبة الله بن علي العلوي الشجري قال : حدثنا أبو زكريا التبريزي قال : ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري ، ولقد اتفق قوم ممن كان يقرأ عليه ووضعوا حروفا وألفوها كلمات وأضافوا إليها من غريب اللغة ووحشيها كلمات أخرى وسألوه عن الجميع على سبيل الامتحان ، فكان كلما وصلوا الى كلمة مما ألفوه ينزعج لها وينكرها ويستعيدها مرارا ثم يقول : دعوا هذه ، والألفاظ اللغوية يشرحها ويستشهد عليها حتى انتهت الكلمات ، ثم أطرق ساعة مفكرا ورفع رأسه وقال : كأني بكم وقد وضعتم هذه الكلمات لتمتحنوا بها معرفتي وثقتي في روايتي ، والله لئن لم تكشفوا لي الحال وتدعوا المحال ، وإلا هذا فراق ما بيني وبينكم ، فقالوا له : والله الأمر كما قلت ، وما عدوت ما قصدناه ، فقال : سبحان الله ، والله ما أقول إلّا ما قالته العرب وما أظن أنها نطقت بشيء ولم أعرفه.
قرأت في كتاب تتمة اليتيمة لأبي منصور الثعالبي وذكر فيها أبا العلاء المعري فقال : (١٧٠ ظ) وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيّصي الشاعر ، وهو ممن لقيته قديما وحديثا في مدة ثلاثين سنة قال : لقيت بمعرة النعمان عجبا من العجب ، رأيت أعمى شاعرا طريفا يلعب بالشطرنج والنرد ، ويدخل في كل فن من الجد والهزل ، يكنى أبا العلاء ؛ وسمعته يقول : أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر ، فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء.
قال : وحضرته يوما وهو يملي في جواب كتاب ورد من بعض الرؤساء إليه :
وافى الكتاب فأوجب الشكرا |
|
فضممته ولثمته عشرا |