فمن هذا خطابه له وذكره لما قيل فيهما كيف يصح عنه أنه يواجهه بهذا الكلام الفاحش الخارج عن حسن الآداب ، المجانب لصحة القول والصواب.
أخبرنا عبد الله بن أبي علي الانصاري عن أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ قال : ذكر ـ يعني أبا الفضل هبة الله بن المثنى بن ابراهيم الهيتي ـ له أنه دخل المعرة ، وكان أبو العلاء يعيش فيها ، فنهاه أبو صالح بن شهاب عن الدخول عليه.
قلت : وهذا أبو صالح هو أبو صالح محمد بن المهذب بن علي بن المهذب ابن أبي حامد بن همام بن أبي شهاب ، وكان ابن عمه أبي العلاء ، وهو الذي كتب الأبيات النونية الى أبي الهيثم أخي أبي العلاء حين احتجب أبو العلاء ومنع الناس من (١٦٤ ظ) الدخول عليه وأولها :
بشمس زرود لا ببدر معان ....
وقد ذكرناها وفيها من المدح والتقريظ لأبي العلاء والتحيل في الدخول عليه ما هو واضح ، فكيف يمنع الناس من الدخول عليه وينهاهم عنه ، اللهم إلّا إن كان ذلك وقع في الوقت الذي قدم أبو العلاء من بغداد ، وعزم على العزلة عن الناس ، وكتب الى أهل المعرة ما كتب ، وأراد أبو الفضل الهيتي الدخول عليه فنهاه أبو صالح عن ذلك مخافة أن يمضي فيتعذر عليه فيكون كما قال في رسالته : «فأكون قد جمعت بن سمجين : سوء الأدب وسوء القطيعة».
ذكر ابن السيد البطليوسي في شرح سقط الزند لأبي العلاء قال : وكان المعري متدينا ، كثير الصيام والصدقة ، يسمع له بالليل هينمة (١) لا تفهم ، وكان لا يقرع أحد عليه الباب حتى تطلع الشمس ، فاذا سمع قرع الباب علم أن الشمس قد طلعت ، فقطع تلك الهينمة وأذن في الدخول عليه ، وكان لا يرى أكل اللحم ، ولا شرب
__________________
(١) الهينمة : الصوت الخفي. القاموس.