باب ما جاء في صحة تربة حلب
وهوائها واعتدال مزاجها وخفة مائها
أعلم أن هواء حلب الغربي ينعش الانفس ويحييها ، ويربي الاجسام ويغذيها ، ويؤثر في الأجساد كتأثيره في الزروع بعد الفساد ، فإن الزرع بها قد يذبل ويبور فيخضر عند ما تهب عليه الدبور ، ومياها بالرقة والخفة موصوفة ، وتربتها بقلة العفونات مشهورة معروفة ، وهذه الاسباب موجبة للصحة والاعتدال مؤثرة في دفع الاسقام والاعلال ، وما أحسن ما وصفها عبد الملك بن صالح وجمع في أوجز كلام ما فيها وفي بلادها من المدائح ، وقد قبل له يوما : يا أبا عبد الرحمن ما أحسن بلادكم! فقال : وكيف لا تكون كذلك ، وهي تربة حمراء ، وسنبلة صفراء ، وشجرة خضراء ، فيافي فيحّ وجبال وضحّ.
وسمعت الحكيم الصفي سليمان بن يعقوب بن سعيد البغدادي بقيصرية من بلد الروم يقول لي : ذكر أرسطاطاليس في كتاب الكيان أنه لما أتى مع الاسكندر لقصد دارا الملك ومقابلته ، وصل معه الى حلب وكانت تسمى باليونانية بيرواء (١) فتحقق حال تربتها وصحة هوائها ، فاستأذن الاسكندر في المقام بها وقال : إن بي بهاء (١٧٩ ـ و) مرضا باطنا ، وهواء هذه البلدة موافق لشفائي ، فأقام بها ، فزال ما كان به من المرض.
وقد اتبعه الاسكندر بعد ذلك فيما اعتمده من فعاله ، وسلك طريقه الذي
__________________
(١) أي Beraea.